في القدس تنتظمُ القبورُ، كأنهنَّ سطورُ تاريخِ المدينةِ والكتاب ترابُها الكل مرُّوا من هُنا، فالقدسُ تقبلُ من أتاها كافرًا أو مؤمنًا، أُمرر بها واقرأ شواهدَها بكلِّ لغاتِ أهلِ الأرضِ، فيها الزنجُ والإفرنجُ والقِفْجَاقُ والصِّقْلابُ والبُشْنَاقُ والتتارُ والأتراكُ، أهلُ الله والهلاك، والفقراءُ والملاك، والفجارُ والنساكُ، فيها كلُّ من وطئَ الثَّرى.
ما سبق هو جزء من قصيدة للشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي، وكلاهما غني عن التعريف، فلا أخال أحدًا من خليج الذل حتى مضيق المرحوم طارق لم يسمع به أو بها، فهي قد دخلت القلوب بلا موانع، وأصبحت سيدة المجالس والمناسبات الوطنية.
وقد يظن البعض أن تميمًا أراد بما قاله دغدغة مشاعر المستمع حيث فيها جمال السجع وجمال الأداء، لكن جمال هذا الجزء كما بقية القصيدة لم يقف عند الحدود البلاغية الأدبية، بل تعدى ذلك؛ ليعبر عن ثقافة واسعة تمتع بها تميم من خلال ذكره لأقوام مرت على القدس سواء كانوا غزاةً أو فاتحين.
وبنظرةٍ عميقةٍ في الأقوامِ المذكورة في القصيدةِ نجدهم من مشارق الأرض ومغاربها، وهذا يؤكد حقيقة مفادها أن من أراد أن يحكم العالم عليه أن يحكم القدس لما لها من أهمية على كل الصعد تبدأ من المكانة الدينية ولا تنتهي عند الموقع الجغرافي.
ودخولًا في موضوع المقال، فالمعلوم أن لكل دولة تاريخا تنقله للأجيال المتعاقبة حتى تبقى على تواصل مع ماضيها تأخذ منه العبر، وتدخل المستقبل وهي واعية، وخير وسيلة تنقل لأجيالها هي التعليم لكونه القاطرة التي تنقل الأفكار والأخبار للجميع.
ومما لا يمكن إنكاره أن القدس قد عانت كثيرًا من التهميش التعليمي، وربما لم ينتهِ هذا التهميش، لكنه على الأقل لم يبقَ على حاله، فالاهتمام بإدراج القدس في المناهج التعليمية آخذ في التوسع وهذا شرف للمنهج أكثر منه للقدس.
أعجبني جدًا ما تفعله الجامعات الفلسطينية بتخصيص مساق خاص بالقدس تزود الطالب بكل ما يلزمه من معلومات عن القدس، وربما بات من نافلة القول أن القدس تحتاج إلى المزيد من الاهتمام في مجال التعليم.
ما الذي يجب فعله في المناهج التعليمية؟
1- تسمية كل فصل من فصول المدرسة باسم باب من أبواب القدس، مع وضع لوحة تعريفية عن الباب.
2- وضع مجسم القدس في ساحة المدرسة وتنفيذ حصة التاريخ الخاص بالقدس تحت المجسم.
3- تنفيذ مسرحيات تجسد الأحداث التي تعرضت لها القدس.
4- إطلاق أسماء القادة الذين فتحوا القدس على الطلبة حتى تترسخ في ذهنهم العزيمة على تحريرها.
5- تنظيم عروض مرئية في مكتبات المدارس والجامعات ورياض الأطفال.
6- الحديث في الإذاعة المدرسية عن تفاصيل مدينة القدس والمسجد الأقصى باستمرار.
7- تنظيم مسابقات باستمرار في المدارس والجامعات.
إن خدمة مدينة القدس ضرورة شرعية وفريضة دينية، خاصة في ظل الهجمات التي تتعرض لها المدينة بمقدساتها وما يتعرض له أهلها من هدم بيوت وتهجير فرض ضرائب باهظة والتضييق عليهم.
وعلينا أن نعلم ونعلم أولادنا أن حبنا لمدينة القدس يتعدى الإعجاب بجمال المكان وآثاره ومناظره الطبيعية، بل هي مكان قدسه الله عز وجل، لذا علينا الاهتمام بها كثيرًا حتى تقول: "في القدس من في القدس لكن لا أرى في القدس إلا أنت".