لا يبدو أن الفريق الذي يقود السلطة اليوم مستعد للتراجع عن مسار عقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير، والأسباب التي تدفعه لذلك باتت معروفة لدى غالبية أبناء شعبنا، فما يجري مشروع توريث مبكر، استعداداً لأي طارئ محتمل.
فصائل عديدة رفضت عقد ذلك المجلس، مطالبة بانتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني حيث أمكن، والتوافق حيث لا يمكن، وكذلك فعلت قوى شعبية ونقابية وشبابية عديدة، إلا أن صوت الرفض ما زال بعيدا عن آذان السيد محمود عباس وفريقه، الذي يتجاهل في مساره نحو المركزي كثيراً من مكونات فتح ذاتها، قبل أن يتجاهل العديد من مكونات الشعب الفلسطيني كلها، سواء في الداخل أو الخارج.
والسؤال الذي لا بد أن يُطرح هنا: إلى متى يظل الجميع رهين مزاج أفراد يتحكمون في المسار كاملاً، ليظل الآخرون مجرد رد فعل لسلوك سياسي مزاجي؟ وليس أدل على مزاجيته من أن يطالب بانتخابات، ثم يطالب الآخرين بالتوقيع على وثائق تؤكد التزامهم الانتخابات في سلوك سياسي غير مسبوق، ثم يحدد موعداً للانتخابات، ثم يلغي الانتخابات، ويستمر هكذا في دوامة لا تتوقف، في حين يلهث الجميع من ورائه، في سلوك ممعن في عبثيته وسخريته.
إن المقاطعة التي أعلنتنها العديد من الفصائل والجهات موقف مهم دون شك، وهو خصم غير محدود من شرعية المجلس المزمع عقده تعبيرا عن الشعب الفلسطيني، في حين أنه في حقيقته لا يرتقي لدرجة التعبير عن جزء من فتح ذاتها، إنه تعبير صارخ عن حالة المُصرّين على عقده، فهو معزول كما أنهم معزولون، ومرفوض وطنيا كما أنهم مرفوضون، وتعبير عن مصالح ضيقة، وغير وطنية، كما أنهم تعبير عن المصالح ذاتها.
موقف المقاطعة يحرج قيادة السلطة، كما أنه يحرج أي فصيل يرغب في مشاركتها مسارها ذلك، والأصل أن الكل مدعو للمقاطعة، فلا مجال في القرن الحادي والعشرين لمجلس يمثل جماهير شعب دون انتخابات، من ذا الذي يصدق أن ذلك ممكن الحدوث؟ وبأي جرأة يواجه أصحاب ذلك المشروع الناس من حولهم؟ إن هذا نموذج واضح على سطوة أفكار قاتلة ونفوذها، من خلال التضليل والتخويف والتشويه ومهاجمة الصواب.
لكن المقاطعة ليست كافية أبداً، هي موقف سياسي مهم، لكنها تظل في حدود حقيقتها مجرد موقف لا أكثر.
المقاطعون مطالبون بالتكتل، والتبلور، في منظومة موحدة وشاملة، تتفق قبل كل شيء على أهمية وضرورة منظمة التحرير، وتمثيلها كل الفلسطينيين، وإنها إنجاز فلسطيني لا بد من حمايته والحفاظ عليه، وتحريره من أيدي مختطفيه.
المنظمة إنجاز عظيم، لكنها ملك للشعب الفلسطيني، وليست ملكاً لأحد سواه، إنْ قادتها فتح يوماً، فلا يعني هذا أنها صارت ملكاً لها، بل إن فتح ما مثلت يوماً إلا حارساً لهذا البناء العظيم، أما سكانه ومالكوه فهم جماهيرنا العظيمة التي يبلغ تعدادها اليوم 14 مليون فلسطيني، كل منهم له سهم في تلك المنظمة.
وهؤلاء جميعاً مطالبون بالانتظام في جبهة إنقاذ وطنية شاملة، تشمل كل الفصائل والتيارات، والداخل والخارج، هدفها الوحيد هو انتزاع منظمة التحرير من يد قيادة السلطة، وإعادتها إلى سابق عهدها نقية وطنية.
تعمل تلك الجبهة على تشكيل قيادة مؤقتة تمثل كل الفصائل، وتنظم انتخابات المجلس الوطني، الذي يعيد النظر في كل ما تغير خلال العقدين الأخيرين من نظم ولوائح المنظمة، ويختار لجنة تنفيذية جديدة للمنظمة، وقائدا جديدا، ومشروعا استراتيجيا وطنيا جديدا، يرفع لواء المقاومة حتى التحرير.
الكل الفلسطيني مطالب، الفصائل والنخب والتجمعات، كلهم مطالبون بالانتظام في هذا الحلف الوطني، وويل لشعب عاجز عن تنظيم نفسه، عندئذ ستخضع السلطة لتلك الجبهة، أو تجد نفسها وحيدة في مواجهة مجموع وطني، لا يمكن أن ينتصر عليه أحد.