"واشنطن ترفض الرأي القائل إن أفعال (إسرائيل) تجاه الفلسطينيين فصل عنصري. ونعتقد أنه من المهم ألّا يُحرم الشعب اليهودي حقه في تقرير المصير، خاصة أن (إسرائيل) الدولة الوحيدة في العالم، ويجب علينا ضمان عدم تطبيق معايير مزدوجة". هذا هو موقف إدارة بايدن الأمريكية من تقرير منظمة العفو الدولية (أمنستي) الصادر في الأول من فبراير ٢٠٢٢، الذي يصف (إسرائيل) بأنها ترتكب جريمة "الفصل العنصري ضد الفلسطينيين"، ودعت لمساءلة السلطات الإسرائيلية.
(أمنستي) ليست منظمة فلسطينية، ولا هي منظمة عربية، بل هي منظمة دولية تعنى بحقوق الإنسان، وتتابع الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية والفصل العنصري في العالم، وهي ليست على عداء مع دولة (إسرائيل)، وليست في صراع معها، ولا يمكن لأحد أن يتهمها بأنها تنحاز للطرف الفلسطيني، ومن ثمة كانت تقاريرها تحظى باحترام دولي.
كل تقارير (أمنستي) حول العالم تحظى باحترام دولي، إلا تلك التقارير التي تصدرها ضد الممارسات الإسرائيلية العنصرية، حيث تتصدى الإدارة الأميركية للدفاع عن (إسرائيل) وتكذيب (أمنستي) ورفض تقاريرها في هذا الاتجاه. موقف غريب!
الموقف الأميركي هذا معروف لنا فلسطينيا؛ لأنه موقف تكرر قبل ذلك، ولكن هذا الموقف المنحاز لإسرائيل بهذه الصياغة الفظة مؤسف كثيرا، ومرفوض فلسطينيا، لأن إدارة بايدن كثفت أنشطتها الدبلوماسية خلال الأيام القليلة الماضية من خلال التواصل مع عباس وملك الأردن والرئيس المصري لإقناع الفلسطينيين بعدم اتخاذ قرارات صعبة ضد اتفاقية أوسلو وحكومة بينيت، وأنها ستعمل على استعادة المسار السياسي، وتنفيذ ما وعدت به الفلسطينيين مثل فتح القنصلية بالقدس.
الإدارة الأميركية التي تقدم هذه الوعود وتقدم نفسها أنها تحرص على الحقوق الفلسطينية هي عينها الإدارة الأميركية التي أصدرت بيانا ترفض فيه تقرير (أمنستي) بعد يومين من صدوره، ولا ترى في إسرائيل فصلا عنصريا على الرغم من الوثائق التي قدمتها (أمنستي) لدعم تقريرها! والمثير للغضب أن إدارة بايدن تخلط الأوراق وهي تدافع عن (إسرائيل)، حيث أعلنت حق (إسرائيل) بدولة يهودية، لأن (إسرائيل) هي الدولة اليهودية الوحيدة في العالم! وكأنه من حق الدولة اليهودية في العالم أن تمارس جريمة الفصل العنصري! وكأن هذا الوصف الأميركي (لإسرائيل) مسوغ كافٍ لانتهاك الحقوق الفلسطينية وارتكاب جريمة الفصل العنصري!
وهنا أود أن أسأل الإدارة الأميركية التي اعتادت بيع مخدرات سياسية للسلطة وللنظام العربي، فأقول: كم دولة موجودة في العالم للفلسطينيين؟ الفلسطيني كان يملك دولة واحدة قبل احتلال إسرائيل لفلسطين في عام ١٩٤٨م، والفلسطيني يعيش التهجير والطرد ويبحث عن دولة وعن تقرير مصير، وقرارات الأمم المتحدة أعطته دولة في قرار التقسيم، ولكن (إسرائيل) الدولة العنصرية في المنطقة تمنعه الدولة، وتمنعه تقرير المصير. أين العدل في التصريحات والمواقف الأميركية؟! متى ستتوقف الإدارة الأميركية عن الانحياز الأعمى (لإسرائيل)؟! ومتى ستتوقف عن بيع السلطة والعرب مخدرات سياسية؟!