حضرت أول أمس لقاءً حواريًا نظمه الإخوة في منتدى الإعلاميين حول انعقاد المجلس المركزي لمنظمة التحرير، وكان ممن تحدثوا في اللقاء أو على الأقل في الجزء الذي حضرته من اللقاء ممثل عن الجبهة الشعبية وممثل عن الجبهة الديمقراطية، وقد وضح كل منهما موقف جبهته من انعقاد جلسة المركزي وقد أصبح معروفًا أن الجبهة الشعبية قد أصدرت بيانًا بالمقاطعة، في حين ما زالت الديمقراطية لم تحسم أمرها بعد.
كان من ضمن المداخلات حديث للكاتب ذو الفقار سويرجو الذي لام الجبهة الديمقراطية على موقفها المتمرد، في حين أكد أن حضورها لجلسة المجلس المركزي السابقة أعطى لهذه الجلسة "شرعية" رغم أن مئة وعشرة أعضاء من أصل مئة وأربعين عضوًا ممن حضروا جلسة المركزي هم محسوبون على حركة فتح.
أنا أظن أن مجابهة ما يحدث من "مسرحية" انعقاد المجلس المركزي ومحاولة إسباغ "الشرعية الوطنية" على جلساته ومقرراته في ظل الحالة المتردية التي وصلت إليها منظمة التحرير الفلسطينية لا يكون بالمقاطعة، إذ أن الحضور والمقاطعة في نظر من يحرص على عقد هذه الجلسات "الهزلية" لا يعنيه من يحضر ومن يتغيب كثيرًا، فكل ما يعنيه هو حصول جلسة أيًا كان من يحضرها ليتخذ ما يشاء من قرارات باسم الشعب الفلسطيني المغيب تمامًا عن هذه المجالس ومقرراتها، بل إن الشعب الفلسطيني قد تفيض يده منها منذ زمن والفئة الوحيدة المتشبثة بهذه الحالة الهزلية هي فئة أبو مازن وفريقه.
ولذلك لن يؤثر حضور أو غياب فصيل مهم مثل الجبهة الشعبية، لكون أبو مازن لا يلتفت ولا يهتم بحضور فصائل وازنة مثل حماس والجهاد الإسلامي، ولا يعينه كثيرًا أن يكون في المجلس معارضة تستطيع أن تمنع حالة "السقوط الحر" التي انزلق لها أبو مازن وفريقه.
إذا أنا أظن أن الحالة التي وصلت لها منظمة التحرير وعقلية الاستفراد التي تستطير على أبي مازن تحتاج إلى وسائل أكثر فاعلية لمواجهتها، وأعتقد أن ذلك لا يتم إلا من خلال تجريد أبي مازن وفريقه مما يعتقدون أنه مصدر قوتهم وهو "ادعاء الشرعية" ولا يكون ذلك إلا باتخاذ موقف حازم من قبل جميع الفصائل الفلسطينية الذي عبر عنه المتحدثون في جلسة منتدى الإعلاميين وأكدوا أنه أصبح يشكل موقفًا وطنيًا جمعيًا، هذا الموقف هو إعلان عدم شرعية التمثيل الذي يدعيه أبو مازن وعدم شرعية انعقاد للمجلس المركزي والوطني أو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لفقدان العناصر الأولية التي تبني عليها شرعية هذه الهيئات وهي تمثيل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج البالغ حوالي 14 مليون نسمة تمثيلًا حقيقيًا يليق بكفاحه وجهاده وتضحياته، واتخاذ خطوات عملية وليس إعلامية فقط، ويكون ذلك من وجهة نظري بمخاطبة كل المؤسسات الدولية والإقليمية والعربية بهذا الموقف وعلى وجه الخصوص الأمين العام للأمم المتحدة وأمين عام جامعة الدول العربية وأمين عام منظمة المؤتمر الإسلامية وقادة الدول العربية والإسلامية وكافة الدول التي لفلسطين سفارات وممثليات دبلوماسية فيها بخطاب واضح لا لبس فيه معتمد من كل فصائل العمل الوطني، بأن الهيئات التي تنعقد باسم الشعب الفلسطيني لا تمثله حاليًا، وهي مؤسسات مختطفة من قبل مجموعة تمثل حاليًا أقلية قليلة في الشعب الفلسطيني.
ولا يزعمن أحد أن مثل هذه الخطوة تعني هدم الكيانية الفلسطينية المتمثلة بالمنظمة، لأن هذا الادعاء اتخذ ستارًا لممارسة كل الموبقات السياسية تحت اسم "الشرعية" وهي شرعية زائفة مصطنعة تتساوق غالبًا مع الاحتلال ضد المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وليس أدل على ذلك من التنكر لمقررات المجلس المركزي المنعقد عام 2018م المتعلقة بتجريم التنسيق الأمني وإنهاء العمل باتفاقية أوسلو.
فإذا كانت " مقررات المركزي" لا تنفذ وهو القائم بدور المجلس الوطني الذي يعتبر وفقًا للنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية لاسيما المادة 7 "السلطة العليا لمنظمة التحرير وهو الذي يضع سياسة المنظمة ومخططاتها وبرامجها".
إذن فهذه المجالس التي فقدت قيمتها وشرعيتها وحيث إنها أصبحت لا تمثل الشعب الفلسطيني ولا تعبر عن طموحاته وآماله، وجب أن تعود سلطات هذه المجالس والمؤسسات إلى صاحب السلطة الأصيل وهو الشعب الفلسطيني الذي تمثله فصائل العمل الوطني ومؤسسات المجتمع المدني وقادة الرأي والفكر، الذين أجمعوا أن المنظمة تعاني حالةَ استفراد وهيمنة أخرجتها عن دورها الوطني وواجبها المنصوص عليه في ميثاقها ونظامها الأساسي، ولذلك وجب العودة للأصول ونزع شرعية التمثيل شعبيًا من هذه الفئة وذلك واجب وطني وحق لكل فلسطيني.