يكمن اهتمام الدول والكيانات فيما يجري باليمن من منطلقات جيوإستراتيجية، نابعة من موقعها الإستراتيجي على أهم الممرات البحرية وهو مضيق باب المندب، و(إسرائيل) بصفتها قوة احتلال من أكثر الدول اهتماماً ومتابعة للمشهد اليمني، وذلك للاعتبارات التالية:
1. 90% من واردات وصادرات (إسرائيل) تمر عبر البحر، و12% منها تمرّ في مضيق باب المندب.
2. الأمن القومي لدولة الاحتلال يتطلب مراقبة ما يمر عبر هذا المضيق وعلى وجه التحديد منع مرور قوافل السلاح التي تصل من إيران إلى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وهذا يجعل العين الإسرائيلية على جزر اليمن المنتشرة في عمق البحر الأحمر القريبة على المضيق، والتي في حال ضمنت مراقبة مباشرة أو غير مباشرة على هذه الجزر تستكمل (إسرائيل) سيطرتها ومراقبتها للملاحة في البحر الأحمر بعد نجاحها في بناء أكبر قاعدة بحرية خارج أراضيها في جزيرة دهلك الإريترية.
3. نجحت (إسرائيل) في استقطاب يهود اليمن عبر مراحل تاريخية مختلفة بدأت منذ إقامة دولة الاحتلال، ولكن عملت إسرائيل بشكل مباشر وغير مباشر على استقدام ما تبقى من يهود اليمن بحيث تشير بعض التقارير الإسرائيلية أنه لم يعد في اليمن سوى ست أشخاص يعتنقون الديانة اليهودية ويرفضون مغادرة اليمن حتى تاريخ التقرير الذي نشره تايمز أوف إسرائيل في مارس/2021م.
4. تقليم أظافر إيران في المنطقة هدف استراتيجي صهيوني، وهو ما ينطبق على حزب الله والمقاومة الفلسطينية وأنصار الله في اليمن (جماعة الحوثي)، وغيرها من القوى والجماعات. وتكمن المصلحة الإسرائيلية في أن تكون اليمن عمقاً إستراتيجياً لمصالحه الأمنية والاقتصادية والسياسية، وعليه قد تنحصر الرؤية الصهيونية في أحد الخيارين: الأول الحفاظ على الدولة اليمنية موحدة ولكن يحكمها نظام سياسي يقبل التطبيع ويكبح جماح الصوت الداعم للمقاومة الفلسطينية. الثاني: دعم فصل اليمن الجنوبي وإقامة كيان مستقل حيث تشير بعض المؤشرات إلى أن أقطاب من اليمن الجنوبي جاهزة للتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث سبق وأن أعلن عيدروس الزبيدي عن امكانية التطبيع الكامل مع (اسرائيل).
5. اليمن عمق استراتيجي للمملكة العربية السعودية والعين الصهيونية على التطبيع مع المملكة تفوق أي دولة عربية أخرى نظراً لمكانتها الدينية والسياسية والاقتصادية، ويرى بعض المراقبين أن الصراع في اليمن بين الحوثيين المدعومين إيرانياً وبين الحكومة المدعومة من التحالف العربي سيصنع انقساماً بين المحاور في المنطقة، هذا الانقسام والشرخ في جسد الأمة العربية والإسلامية سينعكس سلباً على مصالح الشعب الفلسطيني وإيجاباً على مصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي.
6. ممر السلام هو مشروع صهيوني إماراتي يهدف لبناء ممر بري بين إيلات وعسقلان يتجاوز قناة السويس لنقل النفط والبضائع عبر سكة حديد أو أنابيب لنقل النفط، وهو ما سيوفر الكثير من النفقات والوقت وينعكس إيجاباً على الاقتصاد الإماراتي والإسرائيلي، وحتى يتم هذا المشروع لابد من إضعاف فصائل المقاومة الفلسطينية عبر ضمان عدم وصول السلاح والدعم من مناطق أبعد من مصر والسودان.
الخلاصة: إن المشروع الصهيوني يتنقل في علاقاته وفقاً لمصالحه، وعليه لا فيتو لديه لبناء علاقة مع هذا الطرف أو ذاك ما دامت تلك العلاقة تخدم توجهاته الأمنية والسياسية والاقتصادية، في المقابل مطلوب من فصائل المقاومة والدبلوماسية الفلسطينية الرسمية والشعبية أن تدرس مواقفها بشكل جيد، ولا سيما المتعلقة بالصراعات الإقليمية وسياسة المحاور والأحلاف بما يضمن ويراعي خصوصيتها وحاجتها للمجموع العربي والإسلامي، وأن تعمل بشكل جيد على عدم منح (إسرائيل) ما تريده في توظيف بعض المواقف الخاطئة والتي تصنع رأيًا عامًّا عربيًا وإسلاميًا ضد المقاومة توظفه (إسرائيل) لدعم التطبيع معها.
في الختام، نتمنى حلاً سياسياً يوقف النزيف اليمني ويعيد اليمن لمكانته الإقليمية والدولية، فهذا الصراع لم يستفد منه سوى (إسرائيل).