فلسطين أون لاين

​"مشورجية غزاوية".. شابّةٌ تُظهر جمال "المدينة البائسة"

...
غزة - هدى الدلو

رغبةً منها في صناعة عالم خاص يتلاءم مع رغباتها وهواياتها، وبدون قيود، وبعد تجربتها الصحفية في عدة مؤسسات شعرت خلالها أن ميولها في الكتابة والتصوير تختلف عن مطالب هذه المؤسسات التي تركز اهتمامها على الأوضاع السياسية، قررت أن تسلك طريقها الخاص، فاتجهت نحو تصوير الحياة في غزة بشكل عفوي وجميل عبر تنقلها مع عائلتها وأصدقائها من مكان لآخر، فتفاجأت بكم التعليقات التي وصلتها يعبر فيها المتابعون عن صدمتهم بجمال الحياة، بعدما كانوا يعتقدون أنها مدينة بائسة لا تصلح للعيش بفعل الحروب والحصار وما نتج عنهما من يأس تسلل إلى قلوبهم، وانطلاقا من ردود الفعل، تولّد لديها إحساس بالمسئولية تجاه هذه المدينة الصغيرة، وأدركت أهمية تحسين صورتها في عيون ساكنيها والعالم، وتنشر أعمالها عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم (هاشتاج) "مشورجية غزاوية"، حديثنا عن الشابة خلود سمير نصار (27 عامًا) التي حاورتها "فلسطين"..

جمال غزة

"الشيء الوحيد الذي أعترف به هو إنسانيتي ومحاولاتي للحفاظ عليها"، هذا ما تقوله خلود التي عرفت نفسها بأنها شابة حالمة تُحب الحياة بمحاولاتها المتكررة لإيجاد نفسها والبحث عنها في مجالات عديدة، وهي خريجة من قسم الصحافة والإعلام من الجامعة الاسلامية، وعملت في عدد من المؤسسات الصحفية.

قالت لـ"فلسطين": "فكرة (مشورجية غزاوية) أعمل عليها منذ أكثر من ثلاث سنوات، بعد أن بدأت باستخدام تطبيق تبادل الصور (انستغرام)، وكنت أول فتاة من غزة تستخدمه بهذه الطريقة، واخترت وسمًا يدل على طبيعة الجولات التي أقوم بها وألتقط خلالها الصور التي أنشرها عبر حسابي".

"مشورجية" هي أصل لكلمة مشوار، وهو الجولة في الأماكن القريبة المعتادة، وأرادت من هذا الوسم أن يكون بمثابة أرشيف يرجع إليه كل من يرغب بمعرفه غزة أو زيارتها يومًا.

وبيّنت نصار: "التقاطي للصور وتدويني للكلمات بشكل بسيط وجميل، جعل حسابي من أبرز الحسابات الفلسطينية، وتم تصنيفه العام الماضي ضمن قائمة المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي على مستوى فلسطين، وبعد هذه المدة من التقاط الصور والتدوين ارتأيت أنه قد حان وقت البدء بتصوير حلقات تحمل ذات الطابع من التعريف عن هذه المدينة بعفوية على شكل (مشاوير) يشعر المشاهد فيها أنه يتجول معي، فبدأت بتصوير حلقات نشرتها عبر الإنترنت الشهر الماضي.

وأوضحت أنها خلال السنوات الثلاث الماضية، لم تكن بحاجة لفريق، وكانت تقوم بجولاتها منفردة، وتعتمد في التصوير على عدسة هاتفها النقال، بالإضافة لتعليقاتها الخاصة على كل صورة وتدويناتها المتعلقة بالمكان أو أحداث الجولة، وخلال الخطة التي وضعتها لهذه الفكرة وصلت لمرحلة الفيديو والحلقات، وهنا أصبحت بحاجة لفريق مختص لإتمام مهام التصوير والمونتاج، وتقع عليها مهمة اختيار الأفكار والأماكن والتقديم والإعداد.

وأشارت نصار إلى إشراك مبادرات شبابية ضمن البرنامج، حيث ترى أنه من الضروري أن تعمل بالتوازي ما بين الإعلام الاجتماعي وأرض الواقع، فالتأثير في العوالم الافتراضية لا يكفي للتغيير، ولذا حاولت خلال برنامجها إنزال متابعيها عبر "إنستغرام" إلى أرض الواقع من خلال مبادرة بمناسبة يوم البيئة العالمي كانت بالشراكة مع بلدية غزة لتنظيف منطقة أثرية وهي محيط سباط العلمي ورسم جدارية لتبقى بصمة للمشاركين.

وأوضحت: "في المرحلة الأولى قررتُ التركيز على الأماكن الأثرية التي أجد فيها الشغف، والتي يظهر من خلالها الجانب المشرق المُعرَّض للتهميش، واختيار الأماكن وفق خطة وضعتها للبرنامج بالاستعانة ببعض الأدلة والكتب الأثرية، وفي الموسم الثاني للبرنامج، سأتطرق في بعض الحلقات المنوعة التي تتحدث عن بعض المهن القديمة وتسلط الضوء على الكادحين".

ولكن، هل ما تنقله من جمال وتفاؤل يتعارض مع الواقع المُعاش في غزة، والنظرة السوداوية لدى البعض؟ أجابت: "ما أنقله من جمال ليس انفصالا عن الواقع، لأنني لا أدعي جمال المدينة، بل هو جمال موجود فعلًا، ولكنه بحاجة لتسليط الضوء، فهناك الآلاف ممن يتحدثون عن أزمات غزة وظروفها الصعبة، ويجهلون الجانب المشرق منها".

لم يخلُ برنامج نصار من العقبات والمشاكل، وعلى رأسها الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، ما شكل عائقًا أمام فريق العمل، نظرا لصعوبة شحن المعدات وإتمام عملية المونتاج، بالإضافة إلى عائق عدم توفر التراخيص والأوراق الثبوتية لأعضاء فريق العمل لكونهم لا يعملون لصالح مؤسسة، وكذلك نقص التمويل.

مخططات وطموحات

وتخطط نصار للارتقاء بالبرنامج ليصل إلى المستوى الدولي من ناحية المحتوى، والتقديم والحس التصويري البسيط، واللمسة الإخراجية المختصة بهذه النوعية من البرامج، وأن يكون في غزة "يوتيوبر" يُشار إليهم بالبنان وتصدر تجاربهم من هذه البقعة المحاصرة للعالم.

وتبين: "سنعمل خلال المرحلة القادمة على إرفاق ترجمة باللغة بالإنجليزية للحلقات لتصل لغير المتحدثين بالعربية، من أجل نشر صورة غزة المبهجة للعالم وتعريف الناس بآثارها وتاريخها وعادات وتقاليد شعبها، وإلغاء الصورة النمطية عنها".

ونوهت نصار إلى أنها تسعى إلى أن يكون برنامجها بمثابة أرشيف تعريفي مصور متكامل عن طبيعة الحياة في غزة، وأن يكون خطوة حقيقية للتأثير والتغيير في مفاهيم خاطئة عُرفت عن غزة ورسخت في عقول الناس في مختلف أنحاء العالم.

وتتمنى نصار أن يتبنى البرنامج قناة تلفزيونية، وأن يكون ذلك انطلاقة لها ولفريقها نحو مجموعة من البرامج المشابهة.