فلسطين أون لاين

تقرير "شقا عُمُر" عائلةٍ مقدسيةٍ ينهار في "الشارع الأمريكي"

...
القدس المحتلة – غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

لم يشفع للمقدسي إبراهيم أبو كف اقتطاعه لـ "سيل المخالفات الإسرائيلية" الموقعة ضده من لقمة الطعام لأسرته، فـ"أبو كف" الذي يعمل بالمياومة في مجال البناء، لا ينفك منذ سنوات عن دفع المخالفة تلو الأخرى ليحفظ بيته من غدر الاحتلال الإسرائيلي، ولكن دون جدوى، فما حاول تجاوزه لسنواتٍ طوال وقع بعد أن استنزفت صحته النفسية والجسدية وأمواله!

منذ 11 عامًا خلت وأبو كف يسدد مبلغ غرامة قدره 65 ألف شيقل على أقساط للاحتلال، وعندما ظنّ أن "الفرج" اقترب بعد أن لم يبقَ عليه سوى تسديد جزء يسير من المخالفة "11 ألف شيقل"، جاءت الأمور على عكس توقعاته، ففاجأه الاحتلال قبيل شهرٍ من الآن بقرار هدم فوري للمنزل.

وكان الأمر محسومًا لدى الاحتلال فلم تفلح محاولاته القضائية كغيره من المقدسيين في وقف الهدم، بل وضعه الاحتلال أمام خيارين كلاهما مُر؛ إما أن يهدم بيته بنفسه وإما أن تهدمه آلياتهم لقاء دفعه مبلغ 150 ألف شيقل.

يقول أبو كف الذي يسكن منطقة قيسان في صور باهر المقدسية: "لا أطيق دفع هذا المبلغ بتاتًا، فأنا منذ سنين أقتطع من قوت أبنائي لكيلا أتأخر عن دفع المخالفات السابقة حتى لا أترك أمامهم مبررًا لهدم بيتي، لم يكن أمامي خيار سوى هدم المنزل بنفسي، وما أقساه من خيار".

فقد أدخل منظر المنزل وهو يُهدم (في التاسع من يناير الفائت) أبو كف في حالة نفسية صعبة، فلا يردد سوى "حسبنا الله ونعم الوكيل"، "لم يكتفوا بذلك بل وفي أثناء هدم المنزل جاؤوا لطلب قسطٍ مستحق من المخالفات السابقة، إنه إجرام غير مسبوق!".

وإذ يبين أبو كف أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تخنق المقدسيين بكل ما أوتيت من قوة لدفعهم إلى الخروج من المدينة المحتلة، "لكننا سنبقى هنا على أنقاض منزلنا، ولن نترك القدس أبدًا مهما فعلوا".

وقد أدى الهدم لتشريد عائلة أبو كف المكونة من ثمانية أفراد فيقضون نهارهم في العراء فوق أنقاض منزلهم، فيما يتوزعون مساءً بين بيوت أقربائهم في القدس، "بعد كل هذا العمر والتعب والكد، عدتُ لأقيم لدى والدتي المسنة حتى أتمكن من العثور على منزل جديد بالإيجار، وهو أمرٌ ليس بالهين البتة بالنسبة للمقدسيين".

"شقا العمر ضاع"

ولم يكن وقع الصدمة أخف حالًا لدى الحاجة أم إبراهيم أبو كف (74 عامًا) وهي تشاهد "شقا عمر" ابنها ينهار أمامها، لتُنقل في حالةٍ صحية يرثى لها للمشفى، تقول:" تجددت الحسرة في قلبي، وتذكرتُ كيف صادرت قوات الاحتلال قبيل 11 عامًا خمسة دونمات من أرضنا لصالح شق "الشارع الأمريكي" الاستيطاني".

تضيف بحسرة: "لقد كان نجاح إبراهيم في بناء منزل بمساحة مئة متر في نصف دونم من الأرض المتبقية لنا، تخفيفًا لوطأة المصادرة على نفوسنا، فقد كان ابني وأحفادي على الأقل مستورين في بيتٍ، لكن حتى هذا البيت لم يسلم من الاحتلال".

وتشير إلى أن ما عايشته من محاولات ابنها لتسديد كل المخالفات رغم "قسوة الوضع المعيشي" للإبقاء على المنزل، جعلها لا تستوعب أبدًا مرارة ما حدث له ولأسرته من صدمة وهم يخسرون مأواهم.

وإذ تبين أبو كف أنهم من سكان صور باهر منذ القدم وقبيل تأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي، "يريدون تهجيرنا كما فعلوا بأهلنا في نكبة 48م لكننا لن نترك أرضنا، حتى لو عشنا في خيمة بقية العمر".

ويستهدف الاحتلال الإسرائيلي بلدة صور باهر بعدة مشاريع استيطانية كان آخرها، مصادقة "اللجنة المحلية للتخطيط والبناء" التابعة لبلدية الاحتلال في التاسع من يناير الفائت على مخطط لإقامة حي استيطاني جديد ضخم غرب البلدة الواقعة جنوب شرقي القدس.

وتقترح الخطة إنشاء حي جديد يضم 1215 وحدة استيطانية سكنية، وبرجًا مكونًا من 28 طابقًا، و11 مجمعًا سكنيًا بين 7 و11 طابقًا، إضافة إلى ذلك، يتم تقديم واجهة تجارية باتجاه الطريق الرئيس بالحي في 6 قطع سكنية، وقسم واحد للأماكن العامة المفتوحة المجاورة للمباني.

وبحسب بلدية الاحتلال، فإن المخطط يُوفر مساحة عامة مفتوحة، و9 قطع للمباني والمؤسسات العامة، والتي تشمل مدرسة ما بعد الابتدائية، ومدرسة ابتدائية، ورياض أطفال وقاعة رياضية للمستوطنين اليهود.