يُثير استمرار السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة في سياسة التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي دون إيقاف لعجلتها ولو لحظة واحدة رغم تنكر الأخيرة للحقوق الفلسطينية كاملة، ورفضها لحلول عملية التسوية، تساؤلات عدة حول دوافع ومكاسب السلطة لانتهاج هذه السياسة، إلى جانب ما تلقيه من تبعات على الحالة الاجتماعية والحريات العامة من نتائج.
يجيب المحلل السياسي أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح بنابلس د.عبد الستار قاسم، بقوله، إن أبرز نقاط دوافع ومكاسب السلطة الفلسطينية في انتهاج سياسة التنسيق الأمني، يتعلق في "ضمان البقاء على الأرض".
ويفسر قاسم لصحيفة "فلسطين" عبارته بالإشارة إلى أن ضمان بقاء السلطة نفسها على الأرض بتنفيذ سياسة التنسيق الأمني يعني استمرارها في جني المكاسب المادية والامتيازات وتحقيق المصالح الخاصة بعيدًا عن المصلحة التي تخص القضية الأهم المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
مظلة أمان
ووفقا للشواهد الحية فالتنسيق الأمني يقوم على قاعدة تبادل المعلومات الأمنية بين السلطة والاحتلال حول عناصر المقاومة وسلاحها، والنشاطات السياسية التي تخص الفصائل والقوى والمنظمات والطلبة، والقضاء على أي نشاط من شأنه أن يضر بأمن الاحتلال عبر الاعتقال والاستدعاء السياسي المتلاحق.
يؤكد قاسم أن السلطة لا تستطيع أن تتخذ قرارًا بوقف التنسيق الأمني، وإن حاولت فعل ذلك فهي تكتب فناءها بيدها، ويضيف: "السلطة ما دامت تقوم بالمتطلبات الأمنية تجاه (إسرائيل)، فهي تحت مظلة الأمان، وإن توقفت عن التزاماتها فـ(إسرائيل) سوف تفضّها قطعًا".
وينبه إلى أن السلطة لا تقوم بسياسة التنسيق الأمني مرغمة عليه أو مجبرة، حيث إن منظمة التحرير وقعت على اتفاقات التسوية وهي تعلم جيدا بنود التنسيق الأمني وجوانبه، وما يصب من مصلحة في جانب الاحتلال وطعنة في ظهر الشعب الفلسطيني.
وبحسب القانون الثوري لمنظمة التحرير يؤكد قاسم أن السلطة الفلسطينية تمارس بسياسة التنسيق الأمني مع الاحتلال الخيانة بأقصى درجاتها، لما لها من آثار كارثية وبوابة مهمة في كبت الحريات وملاحقة النشطاء.
ومن ميادين سياسة التنسيق الأمني المتبادل ما بين السلطة والاحتلال، الدوريات المشتركة، وملاحقة سلاح المقاومة، واعتقال من يشتبه في رغبتهم ونواياهم بمقاومة الاحتلال وزجهم بالسجون بدون محاكمة وتعذيبهم، وملاحقة التنظيمات التي تتبنى فكرة المقاومة وهدمها تماما، وإشاعة الذعر في صفوف الشعب الفلسطيني، والطرد من الوظيفة والملاحقة الاقتصادية لكل مشتبه في تأييده للمقاومة والمقاومين.
آثار وتبعات
ويلفت النائب في المجلس التشريعي عن مدينة نابلس حسني البوريني إلى أن آثار وتبعات التنسيق الأمني ما بين أجهزة أمن السلطة وأجهزة أمن الاحتلال لا تخفى خطورتها وسلبيتها عن أي من مواطني الضفة الغربية.
ويضيف البوريني لـ"فلسطين"، أن الغالبية الساحقة من الناس في الضفة لا تستطيع التعبير عن نفسها أو القيام بأنشطة سياسية عادية جدًا خوفًا من الاعتقال أو الاستدعاء أو الطرد من الوظيفة أو التهديد والتوبيخ والإساءة بطريقة أو بأخرى.
ويؤكد أن التنسيق الأمني لا يمكن اعتباره إلا بوابة يدخل عبرها كل الشرور للناس وللحالة الوطنية بشكل عام، ويلفت إلى أن الكثير من الحالات التي جرى الإفراج عنها من سجون الاحتلال يتم استدعاؤها مباشرة من قبل أجهزة أمن السلطة، فيما أن من يتم الإفراج عنه من سجون السلطة تعتقله (إسرائيل) بعدها مباشرة في بعض الأحيان.
ويشير البوريني إلى أن سياسة التنسيق الأمني سياسة استراتيجية ثابتة لدى السلطة الفلسطينية يتم العمل بها كجزء من اتفاق أوسلو (للسلام)، رغم تنكر الاحتلال لكل جزء من هذا الاتفاق، وعدم تحقيق أي من بنوده كالانسحاب من الأراضي المحتلة وتحقيق الدولة الفلسطينية.
وتستفيد السلطة من هذه السياسة وفقا للنائب البوريني، بقاءها على الأرض، والعمل على قمع أي تيار سياسي أو شعبي يخرج عن دائرة رؤيتها، إلى جانب إبقاء نفوذها وسيطرتها على الشارع في الضفة الغربية، دون ما تراه إزعاجا، مع الاستفادة من المكاسب المادية والامتيازات الاقتصادية.
وقرر المجلس المركزي لحركة فتح في مارس/ آذار 2015 وقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي في ضوء عدم التزامها بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين وتنكره لكل الاتفاقيات المبرمة، إلا أن تنفيذ القرار من قبل أجهزة أمن السلطة لم ير النور حتى اللحظة.