"إيمانًا بحق الشعب العربي الفلسطيني في وطنه المقدس فلسطين، وتأكيدًا لحتمية معركة تحرير الجزء المغتصب منه، وعزمه وإصراره على إبراز كيانه الثوري الفعّال وتعبئة طاقاته وإمكاناته وقواه المادية والعسكرية والروحية، وتحقيقًا لأمنية أصيلة من أماني الأمة العربية متمثلة في قرارات جامعة الدول العربية ومؤتمر القمة العربي الأول، نعلن بعد الاتكال على الله باسم المؤتمر العربي الفلسطيني الأول المنعقد بمدينة القدس في 28 أيار 1964 قيام منظمة التحرير الفلسطينية قيادة معبئة لقوى الشعب العربي الفلسطيني لخوض معركة التحرير، ودرعًا لحقوق شعب فلسطين وأمانيه، وطريقًا للنصر".
كانت تلك مقدمة البيان الذي صدر في المؤتمر الفلسطيني الأول، الذي أُقيم في القدس بين 28 آذار و2 حزيران من عام 1964 وعرف باسم المجلس الوطني الفلسطيني الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقد انتخب الشقيري في هذا المؤتمر رئيسًا للجنة التنفيذية للمنظمة.
اليوم بعد ثمانية وخمسين عامًا على صدور البيان الأول أصبح هناك شك واضح في تمثيل المنظمة لعموم الشعب الفلسطيني، بعدما جرى عليها من التغيير والتبديل ما أفقدها المضمون والجوهر الذي أنشئت من أجله، فعند قيام المنظمة كما نص البيان الأول كان الهدف الأسمى لها تحرير الجزء المغتصب من فلسطين، إذ لم يكن العدو الصهيوني محتلًّا قطاع غزة والضفة الغربية بعد، ولذلك ربط البيان الأول بين قيام المنظمة وواجبها في تعبئة قوى الشعب الفلسطيني وكل طاقاته وقواه المادية والعسكرية والروحية لتحرير الأرض الفلسطينية.
بعد هزيمة 1967 رأت الفصائل الفلسطينية أن المنظمة فشلت في دورها، وحسب ما هو مدرج على موقع وكالة "وفا" الوكالة الرسمية للسلطة الفلسطينية؛ إن "حركة فتح" سارعت إلى توجيه مذكرة في 9 ديسمبر1967 إلى الدول العربية، أعربت فيها عن قلقها من التصريحات "المضللة"، التي يدلى بها الشقيري، "موهمًا" الرأي العام العربي والعالمي أن المنظمة تضطلع بواجبها الوطني في الأراضي المحتلة، وطالبت المذكرة الدول العربية باتخاذ الوسائل الكفيلة بـ"سد أبواب" أجهزة الإعلام العربية في وجه الشقيري؛ "حتى لا يتخذ منها وسيلة لخدمة أغراضه الشخصية في تضليل الجماهير"، وقد أذاع مكتب المنظمة في بيروت في 7 ديسمبر 1967 أنه قد شُكِّل "مجلس قيادة الثورة لتحرير فلسطين"؛ ليكون "مسؤولًا عن قيادة العمليات العسكرية" في جميع مناطق فلسطين. ونفت "حركة فتح" في اليوم التالي وجود هذا المجلس "الوهمي"، ثم رفعت حركة فتح في ذلك الوقت شعار استبدال قادة الكفاح المسلح بـ"ثوار المكاتب"، وذلك حسب ما أوردت وكالة وفا أيضًا.
وفي 10 يوليو 1968 دخلت "حركة فتح" المنظمة في المجلس الوطني الرابع بشرطين:
الأول: ألا يعني دخولها إلى المنظمة قبولها الطريقة التي أنشئت بها، بصفتها ممثلة للكيان الفلسطيني بقرارات مؤتمر القمة العربي؛ لأن ذلك يجعلها منظمة قومية، مرتبطة بالواقع العربي الرسمي، ما يعكس تناقضاته عليها.
الثاني: أن تظل "حركة فتح" وقواتها "العاصفة" محافظة على شخصيتها الاستقلالية، وتنظيماتها السرية، ومنطلقاتها الوطنية.
وانتخبت في هذه الدورة لجنة تنفيذية بالتزكية، تضم ممثلين لـ: "حركة فتح"، و"الصاعقة"، و"المنظمة"، و"المستقلين"، وبادرت اللجنة إلى انتخاب ياسر عرفات رئيسًا.
ما سبق عرضه هو السياق التاريخي لرئاسة حركة فتح بقيادة ياسر عرفات لمنظمة التحرير، وأسباب وتداعيات توليها الرئاسة منذ عام 1969 حتى لحظة كتابة هذا المقال.
الأمر الغريب أن الحالة التي دخلت بها حركة فتح لمنظمة التحرير هي نفسها تقريبًا الحالة التي تطلب حركة حماس أن تدخل بها المنظمة، لكن الأمر المختلف أن قيادة المنظمة في ذلك الوقت كانت راغبة بدخول فتح للمنظمة، ولذلك كانت فتح تشترط شروطًا لدخولها، وهو ما تحقق فعلًا، أما قيادة المنظمة الحالية فإنها هي التي تشترط باسم أبي مازن على المقاومة شروطًا لدخول المنظمة، تجعلها نسخة ثانية عن حركة فتح، وذلك بالموافقة على شروط الرباعية الدولية.
كذلك أسباب دفع أحمد الشقيري للاستقالة، وتولي حركة فتح برئاسة ياسر عرفات اللجنة التنفيذية للمنظمة هي ذاتها الأسباب التي تدفع فصائل المقاومة والقوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدني الفلسطيني اليوم للمطالبة بتغيير قيادة منظمة الحرير، وهذه الأسباب كما يظهر لكل متابع للشأن الفلسطيني:
-
أن قيادة منظمة التحرير الحالية أصبحت عاجزة عن تمثيل الشعب الفلسطيني، بل هي متناقضة تمامًا في توجهاتها السياسية مع أغلب قواه الحية.
-
حالة الاستفراد التي تمارسها هذه القيادة، واتخاذ قرارات مستفزة للمشاعر الوطنية الجمعية بعيدة كل البعد عن نبض الشارع الفلسطيني، فأدت إلى عزلتها وحدوث تباينات واسعة بينها وبين مواقف القوى الفلسطينية.
-
ضعف قيادة المنظمة أدى إلى انشقاقات وتمرد في صفوف حركة فتح نفسها، وصلت حتى الآن إلى ثلاثة تيارات (تيار دحلان وتيار ناصر القدوة وتيار مروان البرغوثي).
-
تصدير شخصيات مكروهة، لا سيما الشخصيات التي تتماهى مع العدو الصهيوني وتتنافر مع القوى الفلسطينية، من الفريق المحيط بأبي مازن، لتولي مناصب حساسة في المنظمة.
-
الفشل الذريع في البرنامج السياسي الذي تبنته هذه القيادة، وما زالت تتشبث به رغم لفظ العدو له، وعدم مبالاة المحيط العربي والمجتمع الدولي.
ما سبق من أسباب كانت عام 1969 أساسًا وطنيًّا لحركة فتح، للمطالبة بتغيير قيادة المنظمة وتولي قيادة جديدة تعبر عن آمال وطموحات الشعب الفلسطيني، وتستطيع أن تقود الشعب الفلسطيني نحو التحرير والاستقلال، فهل تستجيب قيادة منظمة التحرير الحالية لحركة التاريخ أم تبقى معاندة فتدعسها عجلة الزمن التي لا تتوقف؟