في السادس من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نية بلاده استضافة مؤتمر جامع للفصائل الفلسطينية، ولم يحدد موعدًا له، بل اكتفى بقوله "قريبا"، وأرسل دعوات إلى الفصائل المهمة في الشارع الفلسطيني، فأسرع كل فصيل لانتداب من يمثله إلى الجزائر للمشاركة في مشاورات ونقاشات ومحاورات قبيل ذاك المؤتمر المنشود.
مسارعة الفصائل الستة المدعوة (حماس، وفتح، والجهاد الإسلامي، والجبهتان، والقيادة العامة) إلى إرسال ممثليها، لم يكن من باب حرصها على المصالحة بقدر ما هو إبراز أهميتها وأنها صاحبة ثقل كبير في الشأن الفلسطيني، وحتى لا يقال إنها مَن عطّلت جهود توحيد الشعب، إضافة إلى أشياء مبطنة لكل فصيل، خاصة مع اقتراب القمة العربية، فبرأيي أن حماس قد ذهبت للجزائر ولديها كامل الإصرار على إتمام المصالحة الفلسطينية، وبخاصة مع ارتفاع أسهمها في الشارع الفلسطيني عقب معركة سيف القدس.
أما فتح التي تهاوى مشروعها، فذهبت للجزائر لتحاول المحافظة على وجودها معتمدة على ارتباطها بالاتفاقات التي أبرمتها مع الاحتلال، وهو ما يبينه ابتعاثها محمد المدني رئيس لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي على رأس وفدها، ما يدلل على أنها لن تتخلى عن الاحتلال على حساب اقترابها من حماس ومن معها، وعليه فإن الهوة من المستحيل تجسيرها.
أما بقية الفصائل المشاركة في تلك الحوارات، فباعتقادي أن ذهابها للجزائر هو دعم لأحد المسارَين آنفي الذكر، فلا ثالث لهما، إما مسار المقاومة الذي تتزعمه حماس، وإما مسار الارتباط مع الاحتلال الذي لا تزال تتخبط به فتح منذ عام 1993.
ولكن لماذا لم يحدد الرئيس الجزائري موعدا للمؤتمر المرتقب؟ إن عدم تحديد الموعد له سببان:
الأول: عدم ثقته بأن الفصائل ستجتمع على أرضية واحدة على غرار جولة المصالحة في القاهرة العام الماضي في ظل الشرخ الكبير بين المسار الذي وضعت فتح نفسها فيه، والمسار الذي يجمع عليه كل الفلسطينيين، ونظرًا لنقاط الاختلاف الكبيرة التي لم تحلها أكثر من 15 سنة من الحوارات.
الثاني: أن الرئيس الجزائري سينتظر نتائج المشاورات التي يجريها المسؤولون الجزائريون مع الفصائل كل على حدة.
وبناء على ما سبق، من الممكن القول إنه على الرغم من خصوصية الجزائر في دعم الفلسطينيين وأن هذه الجولة تختلف عن سابقاتها من حيث التوقيت والظروف التي مرت بها القضية، خاصة بعد معركة سيف القدس والغليان الذي تعيشه السجون والنقب والقدس والضفة المحتلة، فإن محطة الجزائر ستكون مضيعة للوقت إن لم يتفقوا على إستراتيجية واضحة على مقاومة الاحتلال.
هذه الإستراتيجية فهمتها والدة الأسير ناصر أبو حميد حين نادت على محمد الضيف قائد أركان المقاومة لإنقاذ ابنها، هي لم تنادِه لشخصه، بل نادته لأنه يرأس أكبر مشروع لمقاومة الاحتلال في فلسطين، وله تاريخ في تخليص الأسرى من سجون الاحتلال، وسبق أن أمر بإطلاق الصواريخ انتصارًا لأهالي الشيخ جراح، حتى بات الاحتلال يخشى من هذه النداءات، وأصبح يفكر في كيفية الرد على أي تدخل من الضيف وجناحه العسكري.
وهذا ما أجبر يوني بن مناحيم، الضابط الإسرائيلي السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية -أمان، على القول: إن هذه النداءات الفلسطينية الموجهة دائما للضيف تشهد على التعزيز الكبير لمكانة حماس التي باتت تنال المزيد من المصداقية والاحترام خلال السنوات الأخيرة في الشارع الفلسطيني، في حين يحتقرون السلوك الفاسد للسلطة الفلسطينية، التي يُنظر إليها على أنها متعاونة مع الاحتلال، والمقاول التنفيذي لجهاز الأمن العام- الشاباك، في الضفة الغربية.
فإذا كان الاحتلال وقادته بدؤوا يشعرون بالقلق من مناداة الشعب الفلسطيني بكل مكوناته للضيف بصفته منقذًا، أفلا يكون ذلك دافعا وحافزا للمجتمعين في الجزائر أن يروا أن مشروع محمد الضيف هو الحل؟