1-استمرارًا للإرهاب الصهيوني الذي يمارسه الاحتلال على الشعب العربي الفلسطيني منذ النكبة عام 1948؛ في محاربة الهوية الفلسطينية على أرض النقب هُدم ما يزيد على تسعة آلاف وحدة سكنية من القرى، وضيق الخناق على سكانها الذين وقفوا في وجه مخططات الاحتلال للسيطرة على أرضهم، واستطاع أهالي النقب العرب الفلسطينيون بوحدتهم تحطيم مخططات سابقة لتهويد النقب، كان أبرزها مخطط (برافر- بيغن) الذي أقره الكنيست الصهيوني عام 2013 لنقل 22 قرية في النقب ومصادرة 700 ألف دونم، في محاولة تهويد النقب بحصر المواطنين العرب هناك في واحد من المئة من أراضي المنطقة، وما يحاول الصندوق القومي اليهودي تنفيذه الآن هو امتداد لهذا المخطط التهويدي.
2-في هذا الإطار المعقد للصراع مع الاحتلال لجأ إلى تبني خيارات بديلة من اعتقالات وضرائب وعدم إعطاء تراخيص للقرى والتضييق الاقتصادي عليهم، ولكن رغم ذلك تجذر أهل النقب بأرضهم، وأمام صمود سكان النقب في قرية مسعودة والأطرش وتل السبع والعراقيب وغيرها، ومع تأثير العامل الديمغرافي بوجود ربع مليون نسمة من البدو في النقب وخشية الاحتلال الزيادة الديمغرافية للعرب؛ شكل ذلك عامل ضغط على مكونات السيادة الصهيونية، التي لا تزال تسعى حتى اليوم لمصادرة 500 ألف دونم في النقب، بالتعاون مع سلطة الأراضي الصهيونية والصندوق القومي اليهودي (كاكال).
3-سعى اليمين الصهيوني، وحزب يمينا الصهيوني الذي ينتمي له نفتالي بينت رئيس الوزراء الصهيوني، بمشاركة عضو الكنيست بن جبير، وأعضاء من ليكود، من طريق الصندوق القومي اليهودي، بذريعة تشجير النقب؛ إلى تهويد أراضي النقب، للسيطرة على أراضي النقب بطريقة ملتوية، فكانت هذه الجريمة صاعق الانفجار في مدن وقرى النقب، التي خرجت في ثورة شعبية رافضة هذا العدوان، ودفاعًا عن حقها الأصيل الثابت في أرضها.
4-لاحظنا تمدد هبة النقب إلى الداخل المحتل في الرملة وأم الفحم، ونيلها دعم السكان العرب في المدن والقرى المحتلة عام 1948، في تأكيد واضح لا يحتمل التأويل: أن النقب ليست وحدها في مواجهة حملات الإرهاب والتهويد الصهيونية، وعلى مختلف المستويات السياسية والاجتماعية والأمنية داخل المجتمع الصهيوني هناك خوف شديد من توسع أعمال الرفض والمقاومة لهذه الانتهاكات والجرائم، ودخول البلاد في موجة مواجهات تهدم ما تبقى من هيبة جيش الاحتلال، وتحطم بقايا صورته المهتزة في الداخل، وهو ما عبر عنه الصحفي العسكري الصهيوني أمير بوخبوط الذي قال: "إن جهاز الأمن العام (شاباك) يوسع من عمليات التحقيق، بعد ارتفاع عدد الحوادث في النقب ضد الجنود، وإحراق مركز شرطة في تل السبع، ومهاجمة القطار، وحرق سيارات"، ما يدل على تصاعد الهبة الشعبية ضد الإرهاب الصهيوني، ومحاولات تهويد النقب.
5-ثمة اعتقاد سائد في دوائر صنع القرار لدى الاحتلال أن تمدد هبة النقب تهديد حقيقي وكارثي على الجبهة الداخلية، وأن المؤسسة الأمنية ستكون عاجزة عن معالجة ومواجهة تحدٍّ أمني بهذا الحجم؛ فأعداد السكان من بدو النقب الفلسطينيين كبيرة، وهناك سلسلة من المخاطر الجدية التي لا تتماشى مع المتغيرات الراهنة في النقب الذي بات يحتاج إلى واقعية وبراغماتية في التعامل مع التطورات.
6-في الوقت نفسه لا تزال هنالك العديد من جوانب التوتر في المنطقة، كما نعلم: الوضع الجيواستراتيجي الجديد في المنطقة، بفعل التهديدات الصهيونية الأمريكية بشن هجوم على الجمهورية الإسلامية الإيرانية خوفًا من برنامج إيران الدفاعي، وتصاعد احتمالية نشوب صراع مع جبهة الشمال المتمثلة بحزب الله، وسخونة الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة، ما يجعل إنهاء أي انتفاضة أو هبة شعبية في النقب ضرورة ملحة وعاجلة للأمن الداخلي الصهيوني، ما يجعل هبة النقب تحمل من القوة والتأثير الكثير، وبات مطلوبًا المزيد من الحراك الشبابي والشعبي في الجليل والمثلث والداخل المحتل لإفشال مخططات الاحتلال الخبيثة ضد الأرض والإنسان والهوية في النقب، المطلوب من كل إعلامي ومثقف ووطني أن يقف مع هذه الهبة، وقد انطلق في هذا الإطار حملات إلكترونية داعمة لتعريف العالم جرائم الاحتلال في النقب، فكانت حملة بعنوان: "أنقذوا النقب" لفضح الاحتلال أمام المؤسسات الدولية والحقوقية، لتعمل على لجم الاحتلال الذي يرتكب مجزرة قانونية في النقب، وتجاوزًا للأعراف والمواثيق الدولية والإنسانية.
7-رغم الوضع المعقد، والهجمة الشرسة، ومحاولات التهويد والتهجير شكل سكان النقب أسطورة نضالية، بحفاظهم على هويتهم العربية الفلسطينية، فرغم مرور سنوات صعبة من ملاحقة الاحتلال، ومحاولة سلخهم عن هويتهم لا يزالون ثابتين في وجه هذا المحتل العابر، وستبقى النقب عربية فلسطينية أرضًا وهويةً.