التحقتُ للدراسة بجامعة بيرزيت، حيث كان النشاط السياسي في أوجه على صعيد النقابات المهنية والكتل الطلابية والمجالس البلدية في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال عقد الثمانينيات. وكان الوجود المسلح لعدد من قوى منظمة التحرير في لبنان مادة قوية للمزايدة على الإسلاميين، وسببًا في إحراجهم جماهيريًا بسبب عدم وجود عمل عسكري واضح لهم في مقاومة الاحتلال في تلك الفترة.
كان هجوم قوى منظمة التحرير على الكتلة الإسلامية يتركز في نقطتين: الأولى هي أنه ليس للإسلاميين مساهمة في المقاومة المسلحة، والثانية هي أن الكتلة الإسلامية يقودها الإخوان المسلمون، وهم حركة ليست موجودة من ضمن مكونات منظمة التحرير. وبالتالي فإن من هو خارج المنظمة هو بالضرورة خارج الشرعية وينبغي محاربته وقمعه والتشهير به بل ضربه بالعصي والحجارة وقضبان وسلاسل الحديد كما حصل في الاعتداء على طلاب الكتلة الإسلامية عام 1983. وعندما فازت كتلة الاتحاد الطلابية التي تضم قوى منظمة التحرير على الكتلة الإسلامية في انتخابات مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت عام 1983 أقام أنصار الكتلة الفائزة احتفالات استمرت حتى الصباح في ملعب جفنة المحاذي لبلدة بيرزيت هتفوا خلالها: اشربي كاسك يا عنان انتصرت على الإخوان وذلك في إشارة إلى عنان الأتيرة التي فازت في قائمة كتلة الاتحاد عن حركة فتح. وبعد مرور ثلاثة عقود أصبحت الأتيرة وهي من نابلس عميدة شئون الطلبة في الجامعة وهي التي تتهمها الآن القوى السياسية الطلابية المختلفة (باستثناء فتح) بأنها حولت الجامعة إلى وكر للتنسيق الأمني والتطبيع مع الاحتلال بالتعاون مع نائب رئيس الجامعة غسان الخطيب الذي كان في الثمانينات مسئول كتلة الحزب الشيوعي في بيرزيت. ويوم 10 يناير كانون ثاني عام 2022 أقدمت قوات خاصة تابعة لجيش الاحتلال على اعتقال مجموعة من قادة الكتل الطلابية الذين منعتهم الأتيرة من دخول الجامعة فاعتقلتهم قوات خاصة (مستعربين) على باب الجامعة، مما صعد من لهجة القوى الطلابية ضد الأتيرة متهمين إياها إلى جانب غسان الخطيب بالتطبيع مع الاحتلال والتآمر على الحركة الطلابية ومحاولة نقل تجربتها في التطبيع مع الاحتلال في نابلس إلى جامعة بير زيت.
لم يشعر قادة الكتل الإسلامية بأن الكلام النظري عن قدسية فلسطين ورفض التنازل عن شبر منها وضرورة استعادتها وتحريرها من الاحتلال بكل الوسائل يكفي كله ليرد على اتهام قوى منظمة التحرير للإسلاميين بأنهم غائبون عن ساحة المواجهة الفعلية مع الاحتلال.
وعند توجههم بالسؤال إلى الشيخ أحمد ياسين، طمأنهم أن العمل المسلح موجود على الأجندة وأنهم سيرون آثاره قريبًا. وعندما اغتالت إسرائيل خليل الوزير أبو جهاد، كان القرار واضحًا بمواجهة الاحتلال بلا هوادة وبكل الإمكانات المتاحة، وبدأت الخلايا العسكرية تنشط مستترة بالحراك الشعبي الجماهيري واستثمارًا لزخم الانتفاضة الشعبية بتفجير العبوات الناسفة والقاء قنابل صوت على دوريات الاحتلال وخطف الجنود وبذل الجهود الحثيثة للحصول على السلاح واستخدامه فبرزت ظاهرة الشهيد عماد عقل في قتل جنود الاحتلال من مسافة صفر وظاهرة أسر الجنود وإخفائهم بقيادة الشهيد محمود المبحوح وظاهرة تنظيم وتدريب الكوادر العسكرية وتنفيذ العمليات التي قادها الشهيد صلاح شحادة. وبعد انتقال كاتب هذه السطور إلى جامعة النجاح تم إطلاق اسم الشهيد عز الدين القسام على الكتلة الإسلامية الطلابية التي خاضت الانتخابات الطلابية عام 1985 الأمر الذي عكس تبنيًا واضحًا من قيادات الكتل الإسلامية في الجامعات المختلفة لخيار العمل المسلح المقاوم ضد الاحتلال.
إن اتفاقية أوسلو التي وقعتها منظمة التحرير مع الاحتلال وتنازلت فيها عن 80% من فلسطين وقيدتها بملاحق اقتصادية وأمنية خطِرة، هي سبب الانقسام والتراجع الرهيب الذي يحدث في الساحة الفلسطينية. لقد بات واضحًا لكل مستشرف للسياق التاريخي للصراع أن من يعطل الوحدة الوطنية هي قوى أوسلو وسلطتها وكوادرها وتنظيمها. إن توكيد هذه الحقيقة في هذا الوقت بالذات في غاية الأهمية لأنه يشكل نقطة الانطلاق الحقيقية نحو الوحدة والوطنية. إن تجريم التعاون الاستخباري والأمني مع الاحتلال والذي بدأ يتسلل إلى الجامعات عن طريق كوادر فتحاوية هو نقطة الانطلاق الأساسية وهو البوتقة التي ينبغي أن تنصهر فيها كافة الجهود الوطنية في الضفة الغربية وفي جامعة بيرزيت على وجه الخصوص حتى يعود لجامعة المهندس يحيى عياش والقائد مروان البرغوثي مكانها ومكانتها.