تمر اللحظات ثقيلة على قلوب ذوي الأسرى المرضى، الذين يُقاسي أبناؤهم ألم "المرض والإهمال الطبي والبعد عن الأهل"، ويخشون من أن يستيقظوا على خبر فقدانهم، في ظل تجاهل دولي لجرائم الاحتلال بحق الأسرى، وعدم الاستماع لمناشداتهم بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي للإفراج عنهم لسوء وضعهم الصحي.
فعائلة الأسير ناصر أبو حميد الذي يتدهور وضعه الصحي يوماً بعد يوم، تقضي أياماً غاية في الصعوبة خاصة للأم التي لها أربعة أسرى آخرين في سجون الاحتلال بخلاف ناصر، والشهيد عبد المنعم، وسطرت طوال السنين الفائتة صفحاتٍ من العز والصمود والثبات.
ولكن عند استشعار الخطر يقترب من حياة ابنها ناصر يضطرب الوضع الصحي لأم ناصر، وتغدو في حالة مزاجية صعبة، يسيطر عليها الخوف والقلق حزنًا على "فلذة كبدها"، الذي يقاسي وضعًا صحيًا في كل لحظة بفعل عمليات القتل البطيء المعهود في سجون الاحتلال بحق الأسرى.
فالوضع النفسي لأم ناصر –وفق ما يبين ابنها ناجي- ليس بالسهل أبداً، "لكننا لم نتعود عليها إلا قوية شامخة ونحن نستمد قوتنا منها، لذلك ندعمها لتبقى بقوتها المعهودة وتظل تنادي بالإفراج عن ناصر".. غير أن السيدة المسنة لم يقوَ قلبها على التحمل، فأُدخلت مساء أمس المشفى.
وإذ يبين أن زيارتها لـ"ناصر" في السابع من يناير/ كانون الثاني الجاري، بعد مناشدات عديدة للاحتلال ورؤيتها له في حالة غيبوبة كاملة موصولاً بالأجهزة الطبية في جميع أنحاء جسده، جعلها تدرك أن وضعه الصحي بالغ الخطورة.
ويضيف أبو حميد: "ما بالكم بأمٍ سمح لها الاحتلال برؤية ابنها المريض المستغرق في غيبوبته بلا حراك عن بعد ثلاثة أمتار من سريره ولمدة عشر دقائق فقط (وفق اشتراطات الاحتلال)، ولم يُسمح لها بلمسه أو الاقتراب منه، لقد ضاعفت تلك الزيارة ألمها".
بدأ طريق ناصر النضالي في سن مبكرة، إذ انطلق في طفولته على أهازيج الانتفاضة الأولى عام 1987 واعتقل بسبب ذلك نحو 7 مرات خلال عام واحد، توالت الاعتقالات لاحقًا عام 2002 حيث قضت المحاكم الاحتلالية بسجنه 7 مؤبدات وخمسين عامًا بتهمة المشاركة في تأسيس كتائب شهداء الأقصى.
في نهاية العام الفائت خضع ناصر لعملية جراحية معقدة في مستشفى "برزلاي" الإسرائيلي لاستئصال ورم من رئته، ما تسبب له بمضاعفات صحية وتراجع كبير في وزنه.
والأسير المولود في مخيم الأمعري، واحد من بين خمسة أشقاء يواجهون الحكم مدى الحياة في سجون الاحتلال، إذ اعتقل ناصر عام 2002 مع ثلاثة أشقاء له هم: نصر، وشريف، ومحمد، في حين اعتقل شقيقهم إسلام عام 2018، ولهم شقيق سادس شهيد وهو عبد المنعم أبو حميد، وقد هدمت سلطات الاحتلال منزل العائلة خمس مرات، كان آخرها عام 2019م.
نكء الجراح
وفي طولكرم، جددت معاناة الأسير أبو حميد آلام عائلة الأسير المريض معتصم رداد الذي يقاسي هو الآخر "القتل البطيء" في سجون الاحتلال منذ 14 عامًا مضت دون أن يلوح في الأفق أي أملٍ بالإفراج عنه.
يقول شقيقه عاهد: "ستون حبة دواء يومياً يتناولها معتصم، وهو منذ 2008م يقاسي الآلام وسط إهمال طبي متعمد. حتى اليوم لم نحصل على أي تقرير من جهة حقوقية دولية عن وضع شقيقي الصحي، بسبب تعنت الاحتلال".
هذا الصمت الدولي المريب جعل عائلة رداد تتوقف عن فعالياتها لمحاولة إثارة وتأجيج الرأي العام الدولي، "بات الأمر غير مجدٍ، سلكنا كل الطرق لمحاولة تخفيف حكم رداد لكن دون جدوى (...) سلمنا أمرنا لله".
إحدى السبل التي لجأت إليها العائلة، التقدم لمحكمة الاحتلال بطلب إبعاد رداد إلى الأردن، غير أن سلطات الاحتلال رفضت الاقتراح، "يعتبره خطراً على أمنه لكونه يُعبئ الأسرى ضدهم وهو داخل السجن، فماذا سيكون الحال لو خرج لدولة ثانية".
كما حاولت العائلة تخفيض الحكم وفق قانون "الشليش" الذي تخفض بموجبه مدة سجن الأسير إلى ثلثي مدة الحكم، "إذا أثبت حسن السلوك خلال اعتقاله، ولم يقم بأي إشكالية خلال هذه الفترة".
يقول رداد: "حينها ذهب أحد ضباط إدارة سجون الاحتلال إلى زنزانة معتصم وأخبره بأن الحصول على إفراج أو تخفيض حكم له أمرٌ مستحيل مهما فعل".
ويرقد الأسير رداد منذ عدة سنوات في مستشفى "سجن الرملة" الذي يعده الأسرى "مسلخاً" يُمارس بداخله الإهمال الطبي والقتل البطيء بحق الأسرى المرضى، في حين جعل الاحتلال من جسده مكاناً لتجاربه الطبية في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان.
ورغم إصابته بعدة أمراض منها السرطان وضغط الدم والغضاريف وفقر الدم وارتفاع في دقات القلب وضعف في النظر، يتعالى معتصم على جراحه عندما يُتاح له بين حين وآخر لقاء أمه وشقيقه في زيارة له في الرملة ويحاول أن يظل مبتسماً ولا يتحدث عن أوجاعه أبداً، يخبر عاهد.
ويضيف: "ومن شدة إجرام المحتل أننا نقطع مسافة طويلة كل شهر لزيارته، وعندما نصل إذا لم يكن قادراً على النزول لنا (مستشفى الرملة عدة طوابق) فإنهم لا يساعدونه، فنعود أدراجنا دون أن نراه".
يذكر أن الأسير المريض رداد (38 عاما) من بلدة صيدا بمحافظة طولكرم، اعتقله الاحتلال عام 2006، ويقضي حُكما بالسجن لـ 20 عامًا.