على مدى يومين، أي الأربعاء والخميس الماضيين، اقتحمت مجموعات إسرائيلية المسجد الأقصى، بحماية الجيش والشرطة الإسرائيلية، وهذه الاقتحامات ليست الأولى من نوعها.
هناك ضغط إسرائيلي كبير جدا على الحرم القدسي، وهو ضغط زاد خلال السنوات القليلة الماضية، ويكفي أن نعرف أن عدد الذين اقتحموا المسجد الأقصى خلال العام الماضي تجاوز أربعة وثلاثين ألف إسرائيلي، على شكل مجموعات تقتحم المسجد يوميا، أو كل يومين، بذرائع دينية، أو خلال مناسبات معينة، وأحيانا تتم الاقتحامات على فترتين، صباحية ومسائية.
الذي يقول لك إن هذه اقتحامات باتت عادية، يتعايش معها المقدسيون، لا يدرك من الواقع شيئًا، لأن إيقاعها زاد، وعدد المشاركين فيها يرتفع، كل مرة، بما يؤشر على سياسات جديدة تتبناها الحكومات الإسرائيلية، وتقدم عبرها الدعم لمجموعات المقتحمين للمسجد الأقصى والحرم.
هناك على الصعيد الدولي من يخفف من خطورة الوضع، ويسأل بعض المحليين من جهات دبلوماسية، سرا، عن سبب الاعتراض، تحت مظلة كلام يقول إن المسلمين يصلون، فلماذا لا تسمحون لغيرهم بالصلاة، ما دامت هناك خلافات حول الموقع ذاته، وإذا كان إسلاميا، أو يهوديا، وهذه التساؤلات تتدفق عبر جهات عدة في هذا التوقيت، يترافق معها استفسارات حول أهمية الرعاية الأردنية من جهة، ومدى الضرر الذي قد يقع إذا تغير واقع السيادة في الحرم من جهة أخرى.
المسجد الأقصى ليس مجرد موقع قديم، على سبيل المثال، أو موقع حجري أثري، إذ له دلالة دينية كبرى، لا يمكن تجاوزها، ولا تصغيرها، أو التلاعب فيها، وليس أدل على ذلك أن المسجد الأقصى تسبب أكثر من مرة في انفجار كبير داخل القدس وكل فلسطين، وليس أدل على ذلك من الانتفاضة الثانية التي انفجرت بعد اقتحام شارون للحرم القدسي، وما شهدناه بعد شهر رمضان من العام الماضي، وهذا الجانب الديني له وجه سياسي، يتعلق بالنظرة إلى القدس باعتبارها مدينة فلسطينية، وعاصمة مفترضة للدولة العتيدة التي لم تقم حتى الآن، وهذا يعني أن تبسيط الأمر تحت عنوان يقول: صلوا كما تريدون ودعوهم يصلون أيضا، تبسيط ساذج جدا.
من ناحية تحليلية، فإن ما يجري ضد الحرم القدسي، يؤشر إلى سيناريوهات مقبلة على الطريق، وهي سيناريوهات سبق الحديث عنها مرارا، لكن الذي يزيد من حدة الخطورة هذه الأيام، عدة اعتبارات، أبرزها تمدد إسرائيل سياسيا، على مستويات مختلفة، وثانيها أن موجات الاقتحام تتزايد ولا تتراجع، وثالثها أن المتطرفين، برعاية الحكومة الإسرائيلية، لن يكتفوا بالاقتحامات، وسيصلون إلى مرحلة يريدون فيها تنفيذ بقية المخطط الإسرائيلي داخل الحرم القدسي.
هذا يعني أن التهاون إزاء ما يجري، سيقود إلى نتائج وخيمة، قد يكون من بينها تقاسم الحرم القدسي، مكانيا أو زمنيا، وصولا إلى تدهور الأوضاع الأمنية داخل القدس وكل فلسطين.
كل الضمانات الإسرائيلية التي يتم تقديمها، وكل التعهدات بشأن الحرم القدسي، قد لا تبقى إلى ما لا نهاية، لاعتبارات كثيرة، وهذا يعني أن الركون إلى الاتصالات السياسية فقط، أو هذه الضمانات والتعهدات، ركون غير منتج، حتى لو تبين حاليا أنه يؤدي إلى نتائج، وليس أدل على ذلك من علاقات إسرائيل السياسية المنفتحة مع أطراف عدة في المنطقة، وفي السياق ذاته لا يتم التوقف عما يجري داخل الحرم القدسي، وكأننا أمام مسربين منفصلين، لا علاقة بينهما.
تعرض الأقصى إلى محطات سيئة في تاريخه، وتعجب فقط من الذين يقولون لك إن المسجد الاقصى طوال عمره تحت التهديد، وأن هذا الأمر يعد متوقعا، وأن علينا التركيز على ما يجري في بقية فلسطين، وتأثيرات الاحتلال الكلية على مجمل الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية، وإذا كان هذا الكلام في ظاهره يبدو صحيحا، إلا أن خلفه محاولة لإخلاء المسؤولية حول ما يجري في القدس، التي تعد المدينة الأهم في كل المشروع الإسرائيلي.
لقد عشت حتى سمعت أحدهم يقول: وماذا يعني هدم المسجد، فالمسجد المقام حاليا، ليس هو القديم، والأقصى هو الموقع، وليس الحجارة الحالية، وإذا تم هدمه سيعاد بناؤه مجددا، وهكذا يصل التخاذل وقلة الحيلة إلى أعلى مستوياتهما، بعد أن فقدنا روابطنا بكل ما يخصنا في حياتنا.
علينا أن نفتح عيوننا جيدا على ما يجري في القدس هذا العام.