عندما نجح القيادي في كتائب شهداء الأقصى زكريا الزبيدي مع 5 أسرى آخرين في انتزاع حريتهم من سجون الاحتلال الإسرائيلي، في سبتمبر/ أيلول الماضي، قامت الدنيا ولم تقعد فرحًا، لكن هذه الفرحة لم تدمْ كثيرًا بعد إعادة اعتقال الأبطال الستة، والزج بهم خلف القضبان من جديد.
مقابل ذلك لم تتردد كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، في التعهد بتحرير الأسرى الستة، ومن بينهم الزبيدي، الذي تعرض نجله محمد من سكان مخيم جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة لاعتداءين من أجهزة أمن السلطة.
ونفذ الأسرى الستة، وجميعهم من سكان جنين، عملية هروب من سجن "جلبوع" الإسرائيلي عبر نفق يمتد من داخل إحدى غرف السجن إلى خارجه، ولاقت العملية تأييدًا فلسطينيًّا غير مسبوق لهذه العملية النوعية، حتى اعتقلوا مجددًا بعد أيام متفاوتة.
وأعقب ذلك تعهد كتائب القسام على لسان "أبو عبيدة" الناطق باسم الكتائب بتحريرهم، إضافة إلى إعلان رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، قبل أيام، أن تحرير الأسرى ومن بينهم الأسرى الستة على رأس أولويات حركته.
لكن ما لم يكن متوقعًا أبدًا أن تلجأ أجهزة أمن السلطة لإهانة محمد الزبيدي، نجل الأسير زكريا مرتيْن، آخرهما حصل مساء أول من أمس.
شتان بين طرفيْن
ونشرت شقيقة الأسير زكريا وتدعى "أم طه"، عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، مقارنة فرضتها أحداث جنين، إذ نشرت صورة لشقيقها زكريا ونجله محمد، وكتبت في منشورها: "الطرف الأول يضع اسم زكريا على رأس صفقة التبادل -في إشارة منها لحركة حماس- والطرف الثاني يعتدي على ابنه بالضرب -في إشارة لحركة فتح وأجهزة السلطة بالضفة- وشتان بين الطرفين".
وفي التفاصيل حسب ما أفادت مصادر لـ "فلسطين"، اعتدت أجهزة أمن السلطة بوحشية على محمد، وبررت عناصر الأمن اعتداءها بأنه كان يسوق مركبة غير قانونية، وتلا ذلك احتجاجات عنيفة تخللها إطلاق نار وأكواع على مقر المقاطعة في جنين، حتى قررت السلطة في النهاية الإفراج عنه بعد ساعات من اعتقاله.
ويتزامن الاعتداء على محمد مع حملة اعتقالات تشنها أجهزة أمن السلطة وتستهدف مقاومين من كل الفصائل في مخيم جنين خصوصًا، فعلى سبيل المثال اعتقلت الليلة الماضية راتب البالي وهو جريح مطارد من جيش الاحتلال، ويبدو أن اعتقال الزبيدي يأتي ضمن هذا السياق.
وكان ردّ عناصر السلطة على "محمد" حين الاعتداء عليه، كما يظهر في الفيديو المنشور على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي: "بدك تغلبنا انت وأبوك" في إشارة إلى والده الأسير المعروف أنه من أكثر المطلوبين لـ(إسرائيل) بسبب نشاطه المقاوم للاحتلال.
واستنكرت عائلة الزبيدي حادثة اعتداء أمن السلطة على نجل الأسير زكريا.
وقال جبريل زبيدي شقيق زكريا، إن اعتداء عناصر السلطة على "محمد" ليس للمرة الأولى، بل تعرض لمثله قبل شهرين، عندما كان عائدًا لبيته في جنين واعترضته دورية مشتركة من أجهزة السلطة بينها قوة من الشرطة الخاصة، واعتدوا عليه بالضرب بطريقة وحشية أعنف من الاعتداء الأخير، لكن لم يكن في المنطقة كاميرات توثق الحدث.
وأضاف جبريل في مقابلة مصورة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي: "لم يكن محمد يسير بشكل مخالف؛ هناك إجراءات قانونية بإمكان عناصر الأمن اتباعها، لكن الاعتداء عليه بهذه الطريقة الوحشية مرفوض".
وطالب رئاسة السلطة والحكومة وأجهزة أمنها في الضفة بتقديم ما لديها من أسباب للاعتداء على محمد.
وأضاف جبريل وهو محرر أمضى في سجون الاحتلال 14 سنة: "لو كان محمد أحد أبناء قيادات السلطة لما تعرض لهذا الاعتداء. نحن لا نريد الوصول إلى مرحلة نحمل فيها السلاح ونطلق النيران على أبناء الأجهزة الأمنية ومقراتها؛ لأن بنادقنا في عائلة الزبيدي موجهة دائمًا صوب الاحتلال، ولن نوجه سلاحنا تجاه أبناء بلدنا".
وأشار إلى أن "محمد" أصيب قبل 9 أشهر بنيران الاحتلال، واستقرت شظايا في منطقة الرأس لديه، إضافة إلى رصاصتين في كتفه ويده، وهو صاحب تاريخ نضالي ووطني أكثر من الذين اعتدوا عليه، وأطلق نيرانه صوب جنود الاحتلال وعمره لا يتعدى (17 عامًا).
تضحيات الزبيدي
وقال عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" جمال حويل من مخيم جنين، إن أي خطأ ارتكبه "محمد" كان لا يجب أن يقابل بخطأ جديد، لأن حفظ الأمن من أجل كرامة المواطن.
وأضاف حويل لـصحيفة "فلسطين"، أن أمن السلطة يجب أن يصون كرامة المواطن، وهذا يتطلب مراجعة حقيقية داخل الأجهزة الأمنية، ومحاسبة المخطئ بحق محمد الزبيدي.
وتابع: كان يفترض بعناصر السلطة التعامل مع "محمد" بطريقة مغايرة تمامًا لاعتدائهم عليه، وذلك احترامًا لتضحيات والده الذي لا يزال يقبع في زنزانة عقابًا على مشاركته في عملية نفق "جلبوع".
ونبَّه حويل إلى أن انتهاكات أمن السلطة بحق "محمد" تتزامن مع حملة تحريض يتعرض لها مخيم جنين منذ مدة طويلة ضد الخط المقاوم فيه الذي يعبر عن الوحدة الوطنية ويضم كل أجنحة العمل العسكري، ولا يعرفون إلا مواجهة الاحتلال، ولهذا يحرص الأخير على ضرب المخيم وتجريده من المقاومة.
التنسيق الأمني
وكتب الناشط ياسين عز الدين على حسابه في "فيسبوك"، في تعليقه على حادثة الاعتداء على نجل الأسير زكريا: إن "الحقائق تكشف نفاق حركة فتح والسلطة وتجارتها بأبنائها، في حين لا تتورع عن الغدر بهم في أي لحظة، والثابت الوحيد لديهم هو محمود عباس وتنسيقه الأمني".
وأضاف عز الدين في منشوره: "ما يجب أن يترسخ في يقيننا أن هذه السلطة خطر على الشعب الفلسطيني بكل أطيافه وانتماءاته، وأن المقاومة تجمعنا، والتنسيق الأمني يفرقنا".