دأبت (إسرائيل) على العدوان على غزة ولها هدف واحد، هو القضاء على المقاومة تمهيدا لسحق الفلسطينيين؛ ما ترتب عليه في كل مرة هدم المباني والمنشآت ومحطات الماء والكهرباء والصرف الصحي نتيجة سلسلة طويلة من استعراض القوة الجوية والصاروخية الإسرائيلية علما بأن المقاومة لو كان عندها مضادات للطائرات والصواريخ لكان ذلك رادعا لـ (إسرائيل)، وطبيعي أن الغارات الإسرائيلية التي بدأت بشكل منظم ودوري في ديسمبر 2008 حتى 19 يناير 2009 وللأسف كانت القاهرة مسرحًا لإعلان تسببي ليفنى بأن (إسرائيل) غيرت قواعد اللعبة وقررت الإغارة الشاملة على غزة ثم تكررت هذه الغارات عام 2012 و2014 و2021، وفي كل مرة تعلن (إسرائيل) أنها تدافع عن نفسها وأنها تطبق حق الدفاع الشرعي في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة ولنظرية الدفاع الشرعي الإسرائيلية تاريخ طويل ليس هنا مجال سرده وتفصيله، ولكن المهم أنه في كل مرة لم نسمع في الأمم المتحدة أو أي دولة من أعضائها ترد المبرر الإسرائيلي إلى صحيح تفسير المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة وللمرة المائة نؤكد أن (إسرائيل) بهذه الهجمات تمارس الإبادة الجماعية لغزة لعل سكان غزة يقبلون بالسلام الاقتصادي بدلا من السلام السياسي ولعلهم يضيقون بسبب هذه الغارات كما تزعم (إسرائيل) بالمقاومة وتدلل (إسرائيل) على ذلك بأن غاراتها مصوبة فقط إلى المقاومة في غزة وأنها تتفادى إلحاق الضرر بالمدنيين وتزعم على خلاف الحقيقة بأنها تضرب أهدافا للمقاومة، علما بأن (إسرائيل) تعتبر غزة كلها هدفا مقاوما وقد كذبتها تقارير المنظمات الحقوقية الدولية خاصة في غاراتها في مايو 2021 عندما تعمدت ضرب المجمعات السكنية وكانت تفخر بذلك وهذه المجمعات لا علاقة لها بالمقاومة، بل إن استهداف المقاومة لا يعطي شرعية للعدوان الإسرائيلي، لأن المقاومة مشروعة في القانون الدولي وأن الاعتداء عليها مخالفة قانونية جسيمة.
ومن صور التحايل الإسرائيلي أنها تبتز سكان غزة بتأكيد أن إعمار غزة بعد الخراب الذي سببته (إسرائيل) ليس مسؤوليتها تماما كما زعمت (إسرائيل) بأن عدوانها على مصر عام 1967 كان ممارسة صحيحة لحق الدفاع الشرعي الاستباقي وأن احتلالها لسيناء كان مكافأة النصر. وفى حالة غزة تزعم (إسرائيل) أن تدمير غزة وقتل سكانها هو نتيجة عرضية لممارستها الدفاع الشرعي ضد صواريخ المقاومة، فمن المسؤول عن الدمار الذي لحق بغزة ومن المسؤول عن إعمارها بعد هذا الدمار؟
الغريب أن العالم كله بمن في ذلك الوسيط المصري سكت عن الحقيقة، وهي أن (إسرائيل) تتحمل المسؤولية القانونية الكاملة عن تدمير غزة، وعليها تقع مسؤولية إعمارها وتقديم التعويض المناسب للمتضررين من سكانها، والطريف أن بعض الدول العربية خاصة قطر تطوعت لإنقاذ غزة بمحطات الكهرباء والماء، والمؤلم أن (إسرائيل) خلال عدوانها على غزة تغلق المعابر الخمسة وقد أحسنت مصر بفتح معبر رفح في العدوان الأخير وقدمت ما تستطيع من معونات إنسانية لضحايا العدوان، وتلك لفتة مهمة من جانب مصر، ولكني كنت أطمع في أن مصر تسمي الأشياء بأسمائها، فتدين العدوان على غزة وتقرر مسؤولية (إسرائيل) عن إعمار غزة، لولا أن مصر كانت تطمح إلى دور الوسيط بين (إسرائيل) وحماس، رغم أن حماس انتقدت تراخي الوسيط المصري في مسائل الإعمار والطريف أيضا أن واشنطن تحمست لإعمار غزة وربما أعطت الضوء الأخضر لحلفائها في المنطقة لهذا الاتجاه، ولكن بالتأكيد لا يتوقع من واشنطن أن ترتب المسؤولية القانونية على (إسرائيل) في تدمير غزة، بل أن دعم واشنطن للسرطان الصهيوني هو الذي شجعه على هذا العدوان، والغريب أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة اعتبرت المقاومة هي المسؤولة عما حل بغزة كما اعتبرت أن المقاومة وعدوانها على (إسرائيل) هي التي دفعت (إسرائيل) إلى الدفاع عن نفسها، وأيدت تأييدا مطلقا مزاعم (إسرائيل) في ذلك. هذه الإيضاحات لها وظيفتان: الأولى هي فضح الانحياز الغربي الأعمى لـ (إسرائيل) وصمت العرب على هذه الجرائم، بل أقول إن وصم العرب للمقاومة بالإرهاب هو الذي شجع (إسرائيل) على عدوانها على غزة كما استمعت الجامعة العربية إلى موقف أبو مازن من هذا العدوان في إشارة إلى أن الجامعة العربية لا تعترف بالمقاومة، ولذلك سجلنا أن حملة سيف القدس التي قامت بها المقاومة انتصارا لحي الشيخ جراح في القدس ضد الظلم الإسرائيلي قد أنتج دروسا كثيرة لا يريد العرب والسلطة أن يلتفتوا إليها، وأبرزها أن كل الشعب الفلسطيني يعتبر المقاومة درعه وسيفه، أما الهدف الثاني فهو تسجيل لموقف القانون الدولي من المسؤولية عن تدمير غزة وإعمارها، لعل ذلك يفيد عندما تتغير الأحوال وهذا مؤكد بإذن الله.
الخلاصة أن (إسرائيل) تتحمل المسؤولية الدولية عن الجرائم الآتية:
الأولى: جريمة الاحتلال المؤدية إلى اغتصاب الأرض فهو لا يدخل في طائفة الاحتلال العسكري المؤقت في القانون الدولي، وهذا النوع من الاحتلال الإسرائيلي هو الأساس القانوني المتين لشرعية المقاومة ضد الاحتلال.
الثانية: هي العدوان المستمر بمبرر الدفاع الشرعي، وهذا العدوان المستمر هدفه إبادة العرق الفلسطيني.
الثالثة: التدمير الذي يعكسه العدوان المستمر.
الرابعة: ابتزاز غزة حتى تسلم بالسلام الاقتصادي.
الخامسة: الاعتداء على المقاومة والسعي إلى إزالتها.
السادسة: قهر سكان غزة وإغلاق المعابر ومطاردة الصيادين وإحكام القبضة على القطاع حتى لا يدخل إليه الاحتياجات الإنسانية.
ولذلك سوف نستمر في هذه الحملة المباركة حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا حتى ننبه الغافلين في فلسطين والعالم العربي.