تشهد الأراضي الفلسطينية حالة من التوتر المحموم بسبب ما يلقاه الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي من انتهاكات وقضم للحقوق، وهو ما دفع عددًا منهم لخوض غمار معركة الأمعاء الخاوية لرفض سياسة الاعتقال الإداري، التي يتبعها الاحتلال بحق (500) أسير حاليًّا هم قيد هذا الاعتقال، منهم الأسير هشام أبو هواش (40 عامًا) من بلدة دورا قضاء الخليل بالضفة الغربية، الذي يواصل إضرابه المفتوح عن الطعام لليوم الـ(141) احتجاجًا على اعتقاله الإداري.
الاعتقال الإداري هو اعتقال دون تهمة أو محاكمة، يعتمد على ملف سري وأدلة سرية لا يمكن للمعتقل أو محاميه الاطلاع عليها، ويمكن حسب الأوامر العسكرية الإسرائيلية تجديد أمر الاعتقال مرات غير محدودة، إذ يستصدر أمر اعتقال إداري مدة أقصاها ستة أشهر قابلة للتجديد.
وبسبب الحالة الصحية المتدهورة التي وصل لها الأسير أبو هواش استنفرت القوى والفصائل الفلسطينية، وحذرت من اقتراب الأسير أبو هواش من لحظة الشهادة (الموت)، مهددة بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء ما يحصل.
وعد يقابله تهرُّب
بدورها حملت حركة "حماس" الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة "أبو هواش"، وقال القيادي فيها إسماعيل رضوان خلال وقفة تضامنية مع الأسير أبو هواش، نظمتها جمعية "واعد" للأسرى، الأحد 2 يناير: "لن نخذل الأسير هشام أبو هواش ولن نتخلى عنه"، مضيفًا: "الأسرى خط أحمر كما هي دماء شعبنا، وإن المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه أي عدوان على أسرانا أو قدسنا أو شعبنا".
وفي سياق متصل قال الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد النخالة، في بيان صحفي، الخميس 30 ديسمبر: "إذا استُشهد الأسير هشام أبو هواش؛ فسنعد ذلك عملية اغتيال قام بها العدو مع سبق الإصرار، وسنتعامل مع الأمر وفقًا لمقتضيات التزامنا الردَّ على أي عملية اغتيال".
أما حركة (فتح) فيبدو أن شغلها الشاغل الآن تأمين المستوطنين بالضفة، والمضي بالانتخابات المجتزأة، ومهاجمة حركة "حماس"، وما دون ذلك من هموم الأسرى المضربين وغير المضربين، ورواتب الشهداء والجرحى، والفلتان الأمني بالضفة، والتغول الاستيطاني بالضفة، وأزمة الكهرباء؛ لا يعني لها شيئًا.
وبعد مماطلة استمرت شهورًا جمد الاحتلال الأحد الماضي 2 يناير أمر الاعتقال الإداري بحق الأسير أبو هواش، ونقله إلى المشفى بوضع صحي حرج، لكنه رفض تعليق إضرابه.
تهديدات فارغة
من جانبها تحدثت وسائل الإعلام العبرية عن تهديدات الفصائل بالثأر للأسير أبو هواش في حال استشهاده، وقال موقع (تايمر أوف إسرائيل) يوم 2 يناير: "دأبت الفصائل في غزة على التهديد بالتصعيد ردًّا على ظروف اعتقال الأسرى المضربين عن الطعام، لكن أيًّا من هذه التهديدات لم ينفذ".
وفي تناقض غريب علّق الموقع في الخبر ذاته على حادثة إطلاق صاروخين من قطاع غزة (من طريق الخطأ) انفجرا فجر السبت 1 يناير قبالة سواحل وسط فلسطين المحتلة، ورد عليهما جيش الاحتلال في اليوم التالي بقصف موقعين شمال وجنوب قطاع غزة.
المقاومة الفلسطينية التي "دأبت على التهديد" -وفقًا لتعبير الإعلام العبري- جاءت كما في كل مرة غيومها محملة بالغيث، وحسب اعتراف (تايمر أوف إسرائيل) في الخبر عينه إن المقاومة بغزة ردت باستخدام "صواريخ أرض-جو من طراز SAM-7 الروسي" تجاه السلاح الجوي الإسرائيلي المغير على قطاع غزة، ما أجبره على الانسحاب، وهو ما وصفه الإعلام العبري بأنه: "حادثة ونادرة وغريبة".
وتكمن خطورة صواريخ SAM-7 في كونها صواريخ محمولة على الكتف ومضادة للطائرات الحربية، أي أنها ذات تأثير مزدوج، بسبب سهولها التنقل بها وحملها على الكتف، إلى جانب قدرتها على مفاجأة الطائرات الحربية المعادية التي تحلق على ارتفاعات منخفضة من 500 إلى 1500 متر.
ويمكنها تحديد الهدف باستخدام التوجيه الحراري (الأشعة تحت الحمراء)، أيضًا بالإمكان إطلاق هذه الصواريخ التي تصل سرعتها إلى 430 مترًا في الثانية، خلال ثوان معدودة، من دون أن تتمكن أي وسيلة استطلاع جوي من رصدها أو اعتراضها.
وتجبر صواريخ "سام 7" الطائرات الحربية على اختيار أحد أمرين: إما أن تحلق على ارتفاعات منخفضة، لتصيب أهدافها بدقة، وفي هذه الحالة تكون في دائرة استهداف هذه الصواريخ المضادة فتضربها وتسقطها، أو أن تحلق على ارتفاعات عالية لتكون خارج نطاق استهداف الصواريخ.
وفقًا لحديث المراسل العسكري للقناة 13 الإسرائيلية، أور هيلر؛ إن فصائل المقاومة "امتنعت عن الرد وقصف العمق (الإسرائيلي)، لكنها بإطلاق صواريخ SAM-7 أظهرت أنه بمقدورها أن تفعل شيئًا لمواجهة الغارات (الإسرائيلية)، واستهدفت بصاروخين طائرات الأباتشي من دون أن تصيبها، في مؤشر على أن بمقدورها إصابتها مستقبلًا".
أنهت المعركة
أما الخبير في الشؤون العسكرية اللواء المتقاعد واصف عريقات فيرى أن "قوة (إسرائيل) الأولى في الجو، ومنه تستطيع السيطرة على أي معركة بقدرة طائراتها، واستخدام هذا السلاح (سام 7) يعني تقييد عملها، والتقليل من حرية الحركة والمناورة في قطاع غزة".
وأوضح في تقرير نشرته وكالة "قدس برس" أن "إدخال المقاومة الفلسطينية هذه الصواريخ يقلق الاحتلال، لأنه يُربك حسابات طياريه، ويؤثر في قدرتهم على إصابة الهدف ومناوراتهم، وقد اعتادوا أن يسرحوا ويمرحوا فوق قطاع غزة دون رادع، فإن لم تلحق إصابات فهي تؤثر في المعنويات، وفي القدرة على التركيز".
واستشهد التقرير نفسه بتحليل آخر للكاتب مصطفى الصواف، الذي يرى أن "تهديد المقاومة لم يكن من فراغ، وأنها تمتلك ما يمكن أن يجعل الاحتلال يحسب لها ألف حساب"، مؤكدًا أن "التصدي للطائرات بصواريخ من نوع (سام 7) حمل عدة رسائل للاحتلال، أهمها أن تهديدات المقاومة ليست من فراغ، وأن ما لديها شاهده طياروه بأم أعينهم الليلة الماضية".
وأضاف: "ربما ما حدث الليلة الماضية استعراض قوة من المقاومة ورسائل أرسلت للمحتل، أن أي عدوان سيواجه بأمور لم يدركها الاحتلال، ولم يحسب لها حسابًا، فما كان قبل سيف القدس وخلال أيام العدوان ليس كما هو بعد سيف القدس".
ويعدّ "سلاح الجو الإسرائيلي" اليد الضاربة التي يعتمد عليها الاحتلال لحسم معاركه قبل أن تبدأ، وهو ديدنه في جميع الحروب التي خاضها مع الدول العربية المجاورة، إذ دأب على تقويض سلاح الجو لدى (عدوه) لضمان سلامة عمقه الإستراتيجي المحدود بفعل الجغرافيا، ثم شن غارات جوية على (العدو) تضمن له النصر الكبير.
وما قامت به المقاومة الفلسطينية يوم الأحد الماضي حسم المعركة مع الاحتلال قبل أن تبدأ، وحيّد سلاح الجو الذي يفتخر به الاحتلال، وبذلك يكون قضى على صورة النصر السهل الذي اعتاد الاحتلال حصاده في كل معركة، ويؤكد أن تهديدات المقاومة لم تأتِ من فراغ، بل إن في جعبة المقاومة ما يُدهش، عندما تنفذ وعدها بالدفاع عن الأسرى.