المماطلة الإسرائيلية في تنفيذ صفقة تبادل أسرى لا تتعلق بضعف الحكومة الحالية، كما يقول المهتمون، فقد سبق أن وقَّعت حكومات إسرائيلية ضعيفة صفقات تبادل أسرى.
والمماطلة لا تتعلق بالثمن، وبعدد الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم، فقد سبق أن دفعت (إسرائيل) الثمن، وأُجبِرت على إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين في صفقات تبادل.
والمماطلة غير مرتبطة بعدم معرفة الإسرائيليين بأحوال أسراهم الجنود؛ وهل هم أحياء أو أموات، فقد سبق أن أطلقت (إسرائيل) سراح سمير القنطار وآخرين، في صفقة تبادل مع حزب الله، رغم جهلها بمصير أسراها، وقد تبين ساعة التنفيذ أنهم قتلى.
وغير صحيح ما يقال عن عدم وجود ضغط شعبي على الحكومة لتنفيذ صفقة تبادل أسرى، فالضغط الإستراتيجي المتعلق بمعنويات الجنود أهم بكثير من الضغط الشعبي.
والمماطلة غير مرتبطة بالمخابرات الإسرائيلية، التي تجهل بالمطلق أماكن وجود الجنود الأسرى وأحوالهم، في الوقت الذي عجز الجيش الإسرائيلي عن إنقاذ جنوده الأسرى في عز المعارك مع رجال غزة.
المماطلة الإسرائيلية في الموافقة على صفقة تبادل أسرى ترجع إلى أسباب سياسية، هذا ما قاله المسؤول الإسرائيلي المستقيل من ملف شؤون الأسرى والمفقودين الإسرائيليين اللواء احتياط موشيه تال، لقد قدم اللواء استقالته بعد أن تأكد له عدم وجود رغبة كبيرة وكافية لدى صناع القرار في إعادة الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى رجال المقاومة في غزة.
فما الأسباب السياسية التي تحول بين صناع القرار في (إسرائيل) وتنفيذ صفقة تبادل أسرى، سيجبرون لاحقاً على تنفيذها؟
السبب الأول يرجع إلى تخوف الحكومة الإسرائيلية من رد فعل الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، والذي سيطير فرحاً، وهو يمشي على الطريق القويم الذي سارت عليه غزة في زجر الاحتلال، وإرغامه على تحرير الأسرى من السجون الإسرائيلية.
السبب الثاني يرجع إلى تخوف الحكومة الإسرائيلية من رد فعل المستوطنين، ومدى الرعب الذي سيسكن قلوبهم، من جراء إطلاق سراح آلاف المقاتلين الفلسطينيين فوق أرض الضفة الغربية.
السبب الثالث: الخوف من مشاركة الأسرى المحررين في تنظيم العمل المقاوم بكل أشكاله.
السبب الرابع يتعلق بالتحريض على المقاومة من خلال وجود النماذج البطولية في شوارع الضفة الغربية، فالأسرى المحررون مدعاة فخر وتقليد من قبل الشباب الفلسطيني.
السبب الخامس هو طمس أي معلم للنصر تحققه المقاومة في غزة، فصفقة تبادل أسرى إنجاز يميز تنظيمات غزة المقاومة عن غيرها؛ التي هجرت طريق النضال.
السبب السادس ويتمثل باعتراض السلطة الفلسطينية رسميًّا على تنفيذ أي صفقة تبادل أسرى مع رجال المقاومة، ولا سيما إذا تضمنت الصفقة إطلاق سراح الأسير مروان البرغوثي وأحمد سعدات، وغيرهم من القيادات والكفاءات التي ستقلب الطاولة على رأس المسؤولين الفلسطينيين الحاليين، وستغير المعادلة لصالح الشعب الفلسطيني ضد المستوطنين.
فكم ستشقى قيادة منظمة التحرير إذا ما نجحت المقاومة في إطلاق سراح النساء والأطفال وكبار السن وأصحاب المؤبدات من السجون الإسرائيلية، وكم سيهان نهج قيادة منظمة التحرير من صفقة تبادل أسرى، ستقعدها في الزاوية ملومة محسورة عاجزة.
ما سبق من أسباب سياسية تحول دون موافقة الحكومة الإسرائيلية الحالية على صفقة تبادل أسرى، وهذا ما اعترف به اللواء الإسرائيلي المكلف من قبل رئاسة أركان الجيش، حين قال: إن الاتفاق ممكن، وإن النقاش حول الموضوع قد وصل إلى حده، ولكن لا يوجد حاليًا إرادة وحافز كافيان لدى صانع القرار الإسرائيلي للذهاب على هذا الطريق، كما كان في عهد صفقة شاليط. وأضاف: لقد توفر عدد من الفرص لعودة الجنود والأسرى الإسرائيليين، ولكن الحكومة الحالية لا تريد تنفيذ صفقة تبادل أسرى، وعلى رئيس الحكومة اتخاذ القرار.
ولكن رئيس الحكومة الإسرائيلية لن يتخذ القرار في الوقت الراهن، فالحسابات السياسية تختلف عن الحسابات الميدانية التي توصل إليها اللواء موشى تال.