الأضحية هي إحياء لذكرى عزيزة في قلوب المؤمنين من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى هي ترجمة للشكر والعرفان على نعمة الحياة أننا أدركنا الأيام الفاضلة من ذي الحجة، والأضحية هي سنة عن النبي إبراهيم (عليه الصلاة والسلام)، الذي استجاب لأمر ربه بذبح فلذة كبده إسماعيل (عليه السلام)، حين قال له: " يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ، قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ، سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ".
تشريع الأضحية
يقول الشيخ الداعية مصطفى أبو توهة: "إن التضحية والفداء هما مقومان رئيسان في عماد الأمم التي لا تقوم إلا على البذل والعطاء والإنتاج، وليس على الأنانية والاستهلاك والانغلاق على الذات"، لافتًا إلى أنها أيضًا -أي الأضحية- شكر للنعمة؛ فإن الشكر له مظاهره العملية التي أشار إليها النبي (عليه السلام) بعد طول قيام الليل حين قال: "أفلا أكون عبدًا شكورًا؟!".
ويضيف أبو توهة لـ"فلسطين": "لقد شرعت الأضحية بالكتاب والسنة والإجماع، والأصل فيها قوله (تعالى) " فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ "، وقوله (عليه الصلاة والسلام): (من كان له سعةٌ ولم يضح فلا يقربن مصلانا)"، مشيرًا إلى أن كتب الفقه ذكرت في حكمها أنها سنةٌ مؤكدة عند جماهير الفقهاء لقول عائشة (رضي الله عنها): "ما عمل آدمي من عملٍ يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكانٍ قبل أن يقع من الأرض تطيب بها نفسًا".
أما شروط الأضحية فيذكر منها: أن تكون من الأنعام وهي الضأن والماعز والإبل والبقر، ودليل ذلك حديث جابرٍ (رضي الله عنه): "نحرنا مع رسول الله (عليه الصلاة والسلام) عام الحديبية البدنة عن سبعةٍ والبقرة عن سبعةٍ"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين، أحدهما عنه وعن أهل بيته، والآخر عنه وعمن لم يضح من أمته" .
شروط الأضحية
يتابع أبو توهة قوله: "أما سنها فينبغي ألا تكون أقل من ستة أشهر للضأن، وأما الماعز فلا تكون أقل من سنة، والإبل ليس أقل من خمس، والبقر ليس أقل من سنتين، ومن الشروط أيضًا أن تكون سليمة من العيوب".
ويكمل قوله: "ولا ننسى هنا أن تكون النية حاضرة في أثناء التضحية، ويبدأ وقت التضحية من بعد صلاة العيد حتى انتهاء مغرب أيام التشريق، وخيرُ كيفيةٍ لتقسيمها وتوزيعها أن يؤكل منها وأن يطعم الآخرون "كلوا وتزودوا وادخروا"، والأفضل أن تقسّم أثلاثًا".
محظورات الأضاحي
يذكر أبو توهة أن الأضحية عبادة يتقرب بها المسلم من الله (سبحانه وتعالى)، مستدركًا بقوله: "ولكن -يا للأسف الشديد- بعض الناس يرتكب محظورات تجعل تلك العبادة أقرب ما تكون إلى المظاهر الهمجية والتخلف، فترى بعض الناس يذبحون في الطرقات العامة وعلى أبواب المحال ليجري الماء مخضبًا بالدماء فتملأ الشوارع قذارةً وتؤذي الأنوف بروائح تزيدها حرارة الصيف أذىً".
يضيف: "ولو شاهد أحد الناس هذه المظاهر السلبية ممن يريدون أن يتعرفوا إلى حياة الإسلام والمسلمين لأعطى حكمًا واحدًا دون تردد: أن هذا الدين لا يحافظ على سلامة الطبيعة وعلى نظافة ونقاء الهواء، وهي جناية تسبب بها أولئك النفر الذين لا يحتاطون بحضارة ونظافة ورقي الإسلام في كل شعائره وعبادته".
تسمين الأضحية
وفيما يتعلق بحكم تسمين الأضحية يقول: "عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين، فذبح أحدهما عن محمد وآل محمد، والآخر عن أمته من شهد له بالتوحيد والبلاغ".
يتابع قوله: "وقال الإمام الشافعي: (استكثار القيمة في الأضحية أفضل من استكثار العدد، لأن المقصود هنا اللحم، والسمين أكثر وأطيب)"، لافتًا إلى أن أهل العلم اختلفوا في حكم تسمين الأضحية، فذهب جمهور العلماء إلى استحباب تسمين الأضحية، فقد روى البخاري في صحيحه: "سمعت أبا أمامة بن سهل قال: (كنا نسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسمنون)".
ويستشهد أبو توهة بقول الإمام الشافعي: "زعم بعض المفسرين أن قول الله (جل ثناؤه): "ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ" استسمان الهدي واستحسانه".