بشكل شبه يومي، يضطر المقدسي سمير شقير لقضاء أكثر من نصف ساعة في طريقه عبر مدخل وادي الربابة بسيارته، بعد افتتاح "الجسر المعلق" حديثًا من سلطات الاحتلال في منطقة الوادي جنوب المسجد الأقصى.
يمتد هذا الجسر لمسافة تقدر بحوالي 200 متر فوق أراضٍ زراعية، ابتداءً من حي الثوري ببلدة سلوان، ويمر فوق أراضي حي وادي الربابة، ثم يصل إلى جبل صهيون.
ترتفع الأراضي فوقه إلى 202 متر، ويهدف على وجه الخصوص إلى تقييد حركة المقدسيين في بلدة سلوان وتسهيل وصول المستوطنين من الجزء الغربي للقدس المحتلة إلى أحياء البلدة القديمة.
تحت الجسر المعلق، أنشأت سلطات الاحتلال مقهًى سياحيًا وحديقة يُطلق عليها اسم "الوادي"، ويستخدم المستوطنون هذا المكان لإقامة سهراتهم التي تستمر حتى منتصف الليل، ما يسبب اضطرابًا كبيرًا للسكان المحليين مثل سمير شقير.
ويأتي المستوطنون إلى المكان بأعداد كبيرة من المركبات ويحرضون على الأهالي في منطقة مدخل وادي الربابة، وهي المنفذ الوحيد لسكان حي سلوان للوصول إلى غرب القدس وباب الخليل والطريق المؤدي إلى بيت لحم وجنوب الضفة الغربية.
ويُعطى المستوطنون الأولوية من شرطة الاحتلال، ما يتسبب في أزمات مرورية خانقة تؤثر كثيرًا في حياة المقدسيين.
يرغم أن الجسر المعلق افتُتح في بداية أغسطس، فإن معاناة سمير شقير، وهو ساكن في حي وادي الربابة ببلدة سلوان، قد بدأت منذ عام 2013. فهو يمتلك مساحة قدرها 500 متر مربع (نصف دونم) من الأراضي، التي تُقدَّر بحوالي 210 دونمات، وصادرتها قوات الاحتلال بالرغم من وجود وثائق وخرائط تثبت ملكيتها لأصحابها قبل وجود الاحتلال.
وفي عام 2019، استولت سلطات الاحتلال على تلك الأراضي كاملة مستغلة أزمة جائحة فيروس كورونا.
يتذكر سمير شقير في حديثه لصحيفة "فلسطين"، لحظة اعتداء عليه في عام 2014، إذ قدمت أربع جرافات وجرفت أرضه، بالرغم من أنها كانت مليئة بالأشجار وكانت تشبه حديقة.
كذلك جرفت أيضًا أراضٍ أخرى وصادرتها سلطات الاحتلال بشكل مشابه، ما أثر في مناظر المنطقة.
بلغة مليئة بالحزن، قال شقير لصحيفة "فلسطين": "حتى الآن نستمر في معركتنا في المحاكم الإسرائيلية من أجل استرجاع حقوقنا، بالرغم من عدم اعترافنا بسلطة الاحتلال".
في ساعات المساء، يبدأ وصول المستوطنين إلى الجسر المعلق ويبدأ جحيم جديد لشقير وجيرانه.
يعيش شقير، الذي يقيم بالقرب من الأرض التي صودرت، معاناة إضافية بسبب الحفلات الصاخبة التي يقيمها المستوطنون التي تستمر حتى وسط الليل. يشكو من أنه بالرغم من إغلاقهم للنوافذ والأبواب، يظلون غير قادرين على النوم بسبب التلوث السمعي الشديد الذي يسببه هذا الضجيج.
عند التحدث عن معاناته بسبب أزمة المرور، قال شقير: "المعاناة كبيرة وتكاد تكون يومية، حيث يحتل المستوطنون الشارع قبل الجسر، ويركنون مركباتهم قبل النزول منها لعبور الجسر إلى البلدة القديمة، وفي حال فعلنا نحن نفس الأمر، نواجه مخالفات باهظة".
مشهد معتاد
تتشابه معاناة أحمد سمرين مع تلك التي يواجهها سمير شقير، إذ أصبح مجبرًا منذ عشرة أيام على الوقوف لفترات طويلة عند مدخل وادي الربابة، وهو مكان تجمع المرور والازدحام بسبب افتتاح الجسر، والاعتياد على وجود "غريب" للمستوطنين داخل بلدة سلوان من جراء الجسر.
يقول سمرين الذي تعرض لعدة اعتداءات واعتقالات: "الجسر مفتوح للمستوطنين على مدار 24 ساعة، ومنذ افتتاحه تحول مدخل وادي الربابة المنفذ الوحيد لنا لمكان أزمة مرورية".
ينقل جانبًا آخر من المعاناة في حديثه لصحيفة "فلسطين": "تصطف سيارات المستوطنين على جانبي الطريق في المقابل لو أوقفت سيارتي لدقيقة فإنني سأحصل على مخالفة قدرها 500 شيقل، فالوضع أصبح لا يطاق والناس في سلوان يوميًا يشتبكون مع المستوطنين في أثناء عودتنا إلى منازلنا بسبب تلك الاستفزازات".
وصادر الاحتلال من سمرين 30 دونمًا، ورثها عن والده الذي ورثها عن جده حتى سلبها الاحتلال منهم، منذ أن نشأت ونحن نزرعها بالزيتون وأعمل مع والدي بالزراعة ونعيش بين الأشجار والأراضي، وفجأة وجدنا الاحتلال يأتي ويسلبنا إياها بالقوة، وأصبحت ترى المستوطنين في قلب سلوان وكأن معالم المنطقة تغيرت بالكامل" رافق القهر صوته.
مخطط استيطاني كبير
وفي حديثه لصحيفة "فلسطين"، يؤكد الناشط المقدسي فخري أبو دياب، أن أحد أهداف إنشاء الجسر هو تضييق الخناق على المقدسيين وتسهيل وصول المستوطنين للبلدة القديمة، ويتعمد الاحتلال عرقلة حياة أهالي سلوان عبر التفتيش المستمر، ودفعهم للمرور من طرق بديلة عن الشارع وادي الربابة الذي يعد المنفذ الوحيد لهؤلاء الأهالي.
ويعتقد أن الهدف من إنشاء الجسر تغيير المشهد جنوب المسجد الأقصى ومصادرة الأراضي في منطقة وادي الربابة، عبر مصادرة مئات الدونمات من أراضي المقدسيين لغرض إنشاء الجسر، فضلًا عن الاستيطان وتسهيل الاقتحامات وإيجاد قدم لليهود في تلك المنطقة.
ووفق أبو دياب، بدأ الاحتلال العمل فعليًا في بناء الجسر عام 2022 واستغرق العمل فيه عشرة أشهر وافتتح في الأول من آب/ أغسطس الجاري، وهو ضمن مشروع استيطاني كبير هدفه تهويد محيط المسجد الأقصى والبلدة القديمة وخنق الأقصى بمشاريع تهويدية لسلخ الأقصى عن محيطه العربي والإسلامي عبر ما يسمى مشروع "الحوض المقدس" التهويدي.