أكد المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، الدكتور عمار دويك، أمس، أنّ قضية "مقتل" الناشط السياسي نزار بنات تعد خللًا مؤسسيًّا، مشددًا على أنه إضافة إلى محاكمة المتهمين، يجب إجراء مراجعة شاملة لجميع إجراءات المحاسبة والمساءلة والرقابة داخل المنظومة الأمنية في الضفة الغربية، بحيث تضمن عدم تكرار حوادث "مؤسفة" مثل هذه في المستقبل.
وأفاد دويك في حوار مع صحيفة "فلسطين" بعد زيارته لقطاع غزة، بأنهم قد تابعوا قضية "مقتل" الناشط نزار بنات منذ بدايتها وأصدروا تقريرًا مفصلًا يظهر الحقائق المتعلقة بهذه القضية بالتعاون مع مؤسسة الحق. ووفقًا للتقرير يرون أنّ هذه القضية تُعدُّ خللًا مؤسسيًّا، في حين تنظر السلطة إليها أنها خطأ فردي يجب محاسبة الأفراد المتورطين فيه.
وأشار دويك إلى أنه لا ينبغي حصر المسؤولية في الأفراد الـ 14 الذين نفّذوا الاعتقال واستخدموا العنف ضد نزار بنات، بل يجب التوسع في المسؤولية ليشمل أيضًا أولئك الذين قصّروا في ممارسة الرقابة والمتابعة. وأشار إلى أنه كان هناك تحريض كبير ضد الناشط بنات قبل عملية الاعتقال، وعليه يجب متابعة من قام بالتحريض عليه، خاصةً أولئك الذين يحملون مناصب في السلطة والتنظيم (حركة فتح).
مسار القضية
فيما يتعلق بمسار القضية على مدار عامين منذ قتل قوة من أجهزة أمن السلطة المعارض بنات في 24 يونيو 2021م، أشار دويك إلى وجود 14 متهمًا تم توجيه التهم إليهم، وأكد أنّ التكييف القانوني للتهم يتناسب مع خطورة الجريمة. ورغم أنّ إجراءات المحاكمة بدأت ببعض التراخي مع مرور الوقت، فإنه شدد على أنه سيتم الحكم عليهم عند صدور قرار نهائي في القضية.
ونبه دويك إلى أنّ فريق الدفاع عن المتهمين يحاول استغلال الثغرات الموجودة في القوانين الإجرائية لتأخير سير القضية، وقد استعانوا بخبير شرعي أردني قبل شهر، يُشكّك في تقرير الطب الشرعي الذي أعده الطبيب الشرعي التابع لوزارة العدل الذي تم إعداده بالتعاون مع "الهيئة المستقلة"، وبيّن أنّ "الهيئة" طلبت من الطبيب المتخصص الرد على الطبيب الأردني، وتم تقديم الرد من خلال النيابة العسكرية.
اقرأ أيضًا: شهاب: العدالة للمغدور نزار بنات غائبة والقتلة طلقاء
وبشأن اتهام وجّهته عائلة بنات بمحاولة تزوير البينات من خلال الطبيب الأردني، نبّه دويك إلى أنّ للمتهمين حقوقهم في ضمانات المحاكمة العادلة، وأنّ هذه الإجراءات القانونية للمحاكمة لا تتدخل فيها "الهيئة". وأضاف أنه عندما تم التشكيك في نتائج التقرير، تم الرد على ذلك بالطرق القانونية.
وبخصوص إمكانية رفع دعوى قضائية للمحكمة الجنائية الدولية، رأى دويك ضرورة إعطاء الفرصة للقضاء الفلسطيني وعدم التوجُّه إلى المحافل الدولية إلا بعد استنفاد جميع الإجراءات الوطنية. وعبّر عن اعتقاده بأنّ هناك "مساحة للعدالة" في قضية بنات.
الانتخابات المحلية
وفيما يتعلق بنتائج زيارته إلى غزة، أوضح أنه التقى بعدد كبير من المسؤولين، بما في ذلك رئيس لجنة متابعة العمل الحكومي عصام الدعليس وممثلين عن حركة حماس، منهم القياديان غازي حمد وباسم نعيم، إضافة إلى القيادي في حركة فتح أحمد حلس، من أجل الترتيب لإجراء انتخابات محلية وانتخابات مجالس الطلبة في الجامعات.
وأفاد دويك أنه تم الحصول على موافقة رسمية أعلن عنها سابقًا وجرى التأكيد لهم عليها أنّ الجهات الحكومية بغزة مستعدة لإجراء انتخابات محلية، وأشار إلى أنهم سيواصلون جهودهم للحصول على قرار من رئيس الحكومة في رام الله محمد اشتية بشأن إجراءات الانتخابات المحلية في أسرع وقت ممكن.
وتحدث عن "اختراق" فيما يتعلق بإجراء انتخابات مجالس الطلبة، وتوقع أن يكون عام 2024 هو عام إجراء انتخابات مجالس الطلبة في الجامعات في قطاع غزة.
وبخصوص ضمانات عدم تكرار تأجيل الانتخابات كما حدث في عام 2016، أوضح دويك أنه تم التغلب على المشكلة عن طريق تشكيل محكمة مختصة بنظر الطعون في نتائج الانتخابات في قطاع غزة، والتي كان عدم وجودها سببًا في تأجيل الانتخابات. وأكد أنه شعر بوجود إرادة لتنفيذ الانتخابات في قطاع غزة وإيجاد حلول لجميع العقبات الفنية.
وبشأن تصاعد الاعتقالات السياسية في الضفة الغربية، التي شملت أخيرًا اعتقال رئيس مجلس طلاب جامعة بيرزيت عبد المجيد حسن، أشار دويك إلى متابعة الهيئة لملف المعتقلين، وخاصة الطلاب الذين تم اعتقالهم بسبب أنشطتهم الطلابية المشروعة.
واعتبر طريقة اعتقال الطالب عبد المجيد حسن توتيرًا للساحة الوطنية وانتهاكًا واضحًا للحقوق والحريات التي يكفلها القانون، ودعا إلى الإفراج عن جميع الطلاب والمعتقلين الذين تم اعتقالهم بسبب نشاطهم السلمي المشروع.
وعبَّر عن قلقه من تأخير أجهزة أمن السلطة في تنفيذ قرارات المحاكم، مثلما حدث مع الناشط فخر الرنتيسي لمدة 48 ساعة رغم وجود قرار محكمة بالإفراج عنه. وأشار إلى أنّ الهيئة تتواصل مع الأطراف ذات العلاقة لمحاولة إنهاء هذا الملف قبل حلول عيد الأضحى.
وأكد أنّ عدم تنفيذ أوامر المحاكم بإخلاء سبيل المعتقلين يعد مخالفًا للقانون، ويجب أن تتوقف هذه الممارسات، حيث ينبغي احترام القانون والإفراج الفوري عن المعتقلين.
قضية ائتلاف "أمان"
وعبّر دويك عن رفضه إحالة السلطة في رام الله لمسؤولين في مؤسسة الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان" للمحاكمة الجزائية، ورفضه التضييق على المؤسسات الرقابية والمجتمع المدني، وأضاف أنه كان من الأفضل أن ترد الجهات الرسمية على تقرير "أمان" حول قضية "تبييض التمور" بدلًا من اللجوء إلى القضاء.
اقرأ أيضًا: "العفو الدولية": السلطة تقاعست عن إجراء تحقيق فعَّال في وفاة نزار بنات
وطالب بإسقاط التهم ووقف الملاحقة، مشددًا على أنّ التحقيق والملاحقة إساءة للسلطة، حيث يطلب العالم من السلطة محاربة الفساد وليس محاربة من يحاول مكافحة الفساد.
وبالنسبة لأزمة نقابة الصحفيين واستمرار الاحتجاجات على عقد الجهات المتنفذة فيها انتخاباتها دون توافق، أوضح دويك أنّ الهيئة قد أوصت بتحقيق توافق فيما يتعلق بإقرار نظام داخلي وأساسي واحد قبل أن تبدأ إدارة مجلس النقابة في عقد الانتخابات. كما أشار إلى أنّ الهيئة راقبت جميع الإجراءات التي اتخذتها نقابة الصحفيين وقامت بوضع تقرير سيتم نشره قريبًا يُوثّق ما حدث في النقابة، رافضًا الكشف عن نتائج هذا التقرير.
أزمات نقابية
وأفاد أنه تم التوافق على "دمقرطة" اتحاد المعلمين ووضع آلية لإجراء انتخابات الاتحاد، ومن المتوقع الإعلان عن اللجان المشرفة على الانتخابات قريبًا. وعبّر عن أمله في وجود اتحاد معلمين جديد في سبتمبر/ أيلول المقبل.
وفيما يتعلق بالجانب المالي، أشار إلى أنّ السلطة تعهدت ماليًّا، ولكن من الواضح أنّ وضع السلطة المالي سيتدهور في ظل وجود التزامات مالية تجاه جميع النقابات على الحكومة.
وهددت نقابة الأطباء مؤخرًا بالعودة للاحتجاجات وتقديم استقالات جماعية إذا لم تلتزم حكومة "اشتية" بتعهداتها بشأن صرف رواتب كاملة للأطباء وجدولة المستحقات والديون شهريًّا حتى نهاية العام الحالي واحتساب طبيعة العمل للطب العام بنسبة 50%. ولكنّ الحكومة لم تلتزم هذه التعهدات وقد أجلت تنفيذها منذ يناير/ كانون الثاني 2022 إلى نفس الشهر في عام 2023.
وعزا المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عدم قدرة حكومة "اشتية" على تنفيذ المطالب السابقة مع نقابة الأطباء والنقابات الأخرى إلى أزمة مالية تواجهها الحكومة نتيجة للاستقطاعات الشهرية من قبل الاحتلال الإسرائيلي. وأشار إلى أنّ هذا الوضع أدى إلى استياء الموظفين وحدوث احتجاجات نقابية، ومن الصعب التنبؤ بالأزمات التي يمكن أن تنجم عنها.