فلسطين أون لاين

الاحتلال يصعب المهمة على المصلين بعدما فشل في قطع "الصلة"

"الفجر العظيم".. عائلات مقدسية تتنافس على حجز مقعد بـ"قائمة الشرف"

...
صورة أرشيفية
القدس المحتلة – غزة/ يحيى اليعقوبي:

يخرج الشيخ صالح الشويكي (70 عامًا) فجر كل يومٍ، هو وزوجته وأبناؤه و44 من أحفاده للمشاركة في حملة "الفجر العظيم" التي تتنافس العائلات المقدسية على المشاركة في أدائها بالمسجد الأقصى.

يتباهى الشيخ الشويكي، بعائلته خاصة في فجر الجمعة وهم يلتفون في حلقة دائرية بعد الانتهاء من الصلاة وقراءة القرآن، فيحتسون أكواب الشاي ثم يتناولون طعام الإفطار في باحات المسجد، يغرس فيهم حب الأقصى، ويزرع فيهم بذور الارتباط فيه. 

يغمر الفرح صوته، خلال حديثه لصحيفة "فلسطين" قائلاً عن مشاركته في الحملة: "أقوم بدعوة الأبناء والأحفاد والجيران والأبناء للمشاركة في الحملة، ونقوم بصلاة الفجر والمكوث بالمسجد لأني أحرص على زيادة ارتباطهم فيه".

يسكن الشويكي بحي سلوان، ويبعد الأقصى عنه أقل من كيلو مترٍ، ويستخدم سيارة كهربائية للوصول للمسجد، وفي الطريق لصلاة الفجر يجد من يسكب له كوبًا دافئًا من القهوة، وغيرها مما تقوم به اللجان العائلية من توزيعه وتقديمه للمصلين.

مشاركة واسعة

ينظر المقدسي بسعادة لنجاح الحملة التي تشارك فيها العائلات، ويردف: "ما نراه أمر يبعث الأمل في القلب، لأن المشاركة الأوسع ترغم الاحتلال على التراجع عن ممارسة طقوس تلمودية في المسجد".

يبلغ عدد أفراد عائلة الشويكي 20 ألف نسمة حسبما يقدر الشيخ صالح، لافتًا إلى أن كل عائلة لديها يوم رباطٍ كامل بالأقصى.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، انطلقت الحملة لأول مرة من المسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل، لمواجهة المخاطر المحدقة واقتحام قوات الاحتلال والمستوطنين المتكرر له، ومحاولات تهويده، وأداء الطقوس التلمودية فيه، ومن ثم انتقلت إلى الأقصى، حتى عمت بقية المدن الفلسطينية.

وعادت مع بدايات عام 2022 إلى واجهة المبادرات الشعبية المقدسية، التي تمثل تجمعًا شعبيًا أسبوعيًا كبيرًا في قلب المسجد الأقصى.

تسكن المقدسية زينات عويضة في منطقة "العيسوية"، وتحرص على المشاركة في الحملة واصطحاب بعض الجارات معها لـ "تكثيف سواد المسلمين" وفق تعبيرها، مدركةً أهمية الحشد الجماهيري للصلاة، فهو "درع الحماية البشري" للمسجد أمام مخططات التهويد.

"لا يبعد عنا المسجد سوى مسافة عشر دقائق بالسيارة، لكني أصلي في مصلى باب الرحمة حتى لا يبقى مهجورًا" تستهل حديثها لصحيفة "فلسطين".

كان يلفت عويضات خلال الحملة السابقة قبل عامين، قيام كل عائلة برفع ملصق يحمل اسمها، وكانت أعداد العائلة الواحدة تتجاوز ألفي مصلٍ، وإن كان هذا المشهد قد غاب في الحملة الحالية، فإنه يلفتها عدد المصلين الكبير في فجر يوم الجمعة.

ورغم أن المرابطة عايدة الصاوي تسكن أمام باب الحديد على بعد خطواتٍ قليلة من المسجد، إلا أنها تؤدي صلاة الفجر في طريق المجاهدين وليس داخل المسجد هي وبقية المبعدات.

مشهد دخول المصلين والحشود الكبير وإن كان يبعث في نفسها الفرح والأمل، بأن الناس تحمي مسجدها، لكنه في نفس الوقت يثير شيئًا من الحنين والغصة في قلبها لكونها لا تستطيع المسير بين الحشود للصلاة وعيش الأجواء داخل باحات المسجد.

تقول لصحيفة "فلسطين" عن حرمانها الصلاة: "قلبي يتقطع في البعد عن المسجد الأقصى، فهو بالنسبة لي عقيدة، والصلاة والرباط فيه فرض، وأجر الصلاة فيه كبير، لكنه احتلال ظالم يمنعني من الصلاة في مسجدي، يمنعني من حقي في الصلاة والعبادة".

تنافس على الحضور

من ناحيته، يرى الباحث في شؤون القدس ناصر الهدمي، أن حملة الفجر العظيم تحث أفراد العائلات على الرباط بالمسجد الأقصى والحفاظ على المقدسات، بحيث تتنافس العائلات في أن يكون لها حضور أكبر من العائلات الأخرى، وهذا الموضوع يسلط الضوء على تأثير المسجد في صياغة الهوية المقدسية، فهو ليس مسجدًا عاديًا تؤدى فيه الصلوات وينتهي الأمر.

وقال الهدمي لصحيفة "فلسطين": إن "المقدسي اليوم بات يبحث عن ذكر اسم عائلته في الأحداث الجارية بالمسجد وفي حملة الفجر، وينظر إلى ذلك أنه أعظم وسام ممكن أن يأخذه، وقائمة الشرف التي توضع فيها أسماء العائلات لوجودها الدائم بالأقصى، وكل هذا يعبر عن تنامي قيمة المسجد"، معتبرًا تنافس العائلات جزءًا مهمًا يعبر عن العلاقة التي حفرها المسجد في هوية كل مقدسي.

وفي وقتٍ تزداد فيه أعداد المستوطنين المقتحمين للمسجد بحجة ما يسمى "الأعياد اليهودية"، يؤكد الهدمي أهمية حملة الفجر العظيم في صحوة الأمة، رغم أنه ربما لا يستفاد من وقت الصلاة في صد الاقتحام، لكنها تهيئ وتنشئ جيلاً مرتبطًا بالأقصى، ويستعد للدفاع عنه حينما يتطلب الأمر.

ورغم المشاركة الكبيرة للعائلات المقدسية في حملة "الفجر العظيم" إلا أن الاحتلال يستخدم عدة أساليب لتقليص وجودها أو تأخيرها، من خلال منع وصولهم، أو مخالفة سياراتهم التي تركن خارج البلدة القديمة، أو من خلال احتجاز هوياتهم الشخصية على الحواجز قرب أبواب الأقصى أو بالبلدة القديمة، وهذا كله هدفه إضاعة الصلاة عليهم، وفق الهدمي.

كذلك الاحتلال يتخوف حسب الباحث المقدسي زياد ابحيص، من الحملة لأنه يراها شكلا من أشكال تثبيت العلاقة بين المرابطين والفلسطينيين من القدس والداخل المحتل وحتى من الضفة الغربية بالمسجد، وهذا يعارض فكرة الاحتلال بالاستفراد بالمسجد والقائمة على تقليل وجود المصلين والمرابطين لتسهيل الاقتحامات.

وقال ابحيص لصحيفة "فلسطين"، في الأقصى يوجد خمسة آلاف مرابط، وعليه لا يستطيع المستوطنون تأدية طقوسهم، لافتا إلى أن الفجر العظيم جاءت في أصلها، لإعادة علاقة الناس بالمسجد الإبراهيمي بالخليل بصلاة الفجر، بعدما كان التوقيت "عقدة" تفصل الناس بقوة الدعم عن المسجد الإبراهيمي، ثم انتقلت للأقصى وبقية مساجد فلسطين.

ويعتبر أن "الفجر العظيم" بالقدس، تشكل تجسيدا للإرادة لتعبر عن التمسك بخيارات المقاومة، لذلك الاحتلال يرفضها ويضيق على المصلين ويعتقلهم ويمنع وصولهم، مشيرًا، إلى أن تأثير الحملة يصبح أهم في الشهور القادمة مع بداية فصل الشتاء، فيكون وقت صلاة الفجر صعبًا، لكن نجاحها يؤكد تمسك الفلسطينيين بالمسجد رغم كل الظروف.