قضى النازحون في منطقة المواصي، غرب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، ليلة مرعبة لم تتوقف خلالها الرياح العاتية، فتطايرت خيامهم وشوادرها المصنوعة من النايلون، الذي اهترأ على مدار أكثر من عام وثلاثة أشهر من النزوح.
وجد النازحون في المواصي أنفسهم أمام ليلة أخرى من العذاب، زادتها زخات المطر وحشية، إذ اخترقت أقمشة الخيام الهزيلة، بينما غطى الوحل أقدام الأطفال العارية، وسط غياب أي دور للمؤسسات الدولية والإغاثية في التخفيف من معاناتهم أمام شدة الرياح والأمطار.
طوال الليل، لم يجد النازحون ما يحميهم من الرياح العاتية والأمطار الغزيرة سوى أغطية مهترئة ومبللة، فقضوا ليلتهم تحت السماء، في العراء، يواجهون قسوة الطبيعة دون سند.
في تلك الليلة القاسية، لم يكن النازحون بحاجة إلى كلمات تعاطف أو وعود جوفاء من بعض الدول والمؤسسات الدولية، بل كانوا يحتاجون إلى سقف يحميهم، إلى جدران تقيهم الرياح، ولحظة واحدة يشعرون فيها بأنهم بشر.
تعنت الاحتلال
أوضحت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أن الاحتلال يواصل المماطلة في تنفيذ المسار الإنساني ضمن اتفاق وقف إطلاق النار.
وأشارت، في بيان لها، إلى أن الاحتلال يتعمد تأخير وإعاقة دخول المتطلبات الإغاثية الأكثر إلحاحًا، وخاصة الخيام، والبيوت الجاهزة، والوقود، والمعدات الثقيلة اللازمة لرفع الأنقاض.
وأضافت: "ما تم تنفيذه من الجوانب الإنسانية حتى الآن أقل بكثير من الحد الأدنى المتفق عليه، ما يعكس عدم التزام واضحًا من قبل الاحتلال بالبروتوكول الإنساني في الاتفاق".
بدوره، قال الناطق باسم الحركة، عبد اللطيف القانوع: "النازحون في الخيام ومخيمات الإيواء في قطاع غزة عاشوا ليلة قاسية وكارثية بسبب الرياح العاتية ومنع الاحتلال إدخال الكرفانات والمساعدات الإغاثية والمستلزمات الضرورية لإيواء شعبنا".
خيمة وخوف
مع بزوغ فجر أمس، بدأ أبو محمد القاضي إعادة نصب خيمته برفقة أبنائه، بعدما اقتلعتها الرياح طوال الليل، تاركة إياهم في العراء والبرد القارس.
يقول القاضي لـ "فلسطين أون لاين": "الليلة الماضية كانت الأصعب والأكثر رعبًا منذ بداية النزوح، وكانت أقسى من ليالي الحرب التي كانت تتساقط فيها الصواريخ فوق رؤوسنا".
وأضاف، وهو نازح من مدينة رفح جنوب قطاع غزة: "بعد انتهاء الحرب، كنت أنتظر العودة إلى منزلي في منطقة الشوكة شرق رفح، لكن الاحتلال يطلق النار علينا هناك، كما لم أجد خيمة أو بيتًا متنقلًا أعيش فيه بدلًا من منزلي المدمر، فقررت البقاء في حياة الخيام والنزوح".
على مقربة من خيمة القاضي، حاول محمد اللحام ترميم خيمته التي مزقتها الرياح، بينما تجمعت زوجته وأطفاله حول نار صغيرة أشعلوها ببقايا خشب مهترئ طلبًا لبعض الدفء.
يقول اللحام لـ"فلسطين أون لاين": "ما أصعبها من ليلة! بدأت الرياح تشتد بعد العشاء واستمرت حتى ساعات الصباح، وخلال كل تلك الساعات لم ننم ولو للحظة واحدة، إذ أمسك كل واحد منا زاوية من الخيمة محاولًا تثبيتها، لكن قوة الرياح جعلتنا نقضي ليلتنا في العراء".
قضى اللحام، شأنه شأن آلاف النازحين الغزيين، ليلته في العراء تحت السماء برفقة أطفاله، بسبب شدة الرياح وعدم قدرة خيامهم المهترئة على الصمود أمام المنخفض الجوي العنيف الذي ضرب قطاع غزة.
وأوضح اللحام أنه كان يأمل في دخول خيام جديدة وكرفانات، للحصول على واحدة منها والانتقال للعيش فيها بدلًا من خيمته التي شيدها في مايو الماضي، وقت نزوحه من "أبراج الكرامة" شمال مدينة خان يونس.