فلسطين أون لاين

الشَّيخ أحمد نمر أيقونة الخطاب المقاوم

...
الشيخ أحمد نمر أيقونة الخطاب المقاوم 
مصطفى الزواتي

لطالما تغافل الإعلام عن الحديث عن شخصيات مهمة في محطات المقاومة الفلسطينية وتأثيرها في إحداث تغيير جذري وحقيقي في مجريات العمل المقاومة، بل وأسهمت بشكل كبير في التأسيس والتمهيد للأحداث السياسية المهمة في العمل الفلسطيني سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الديني والاجتماعي.

ومن تلك الشخصيات والرمزيات المهمة التي أسهمت في صناعة العمل المقاوم من الواقع التنظيري هو الشيخ أحمد نمر الذي لا يعرف الكثير عنه إلا أنه مجرد داعية أو خطيب إسلامي يلقي الخطب والمواعظ في مساجد قطاع غزة، لكن الأمر بخلاف ذلك تماماً.

عُرف الشيخ جماهيرياً باسم “أحمد نمر”، وقد اعتلى منبر مسجد الرحمة بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة نحو ثلاثة عقود، تخللها انقطاعات متكررة بسبب الاعتقالات في سجون السلطة منذ أواسط التسعينيات حتى انطلاق انتفاضة الأقصى.

إذ يعدّ أحمد نمر شيخ خان يونس وأحد أعلام حركة حماس الذي عرف عنه الثبات والصلابة في المواقف والمبادئ، وبأنّه صاحب الحنجرة الثورية التي تركت بصمتها في جنائز الشهداء من الفصائل الفلسطينية كافة، الأمر الذي أكسبه حظوة على المستوى الجماهيري بشكل عام ونفوذاً كبيراً في الوسط التنظيمي لحماس.

يمكن القول أنّ الشيخ أحمد نمر هو أحد أهم أيقونات العمل المقاوم في غزة المنسية والتي أسست للخطاب المقاوم، بل وعملت على التحشيد والتعبئة للعديد من شخصيات ورموز حماس السياسية والعسكرية، ولاقت قبولاً كبيراً بين أوساط الحركة، حتى أنّه أحد تأثيراً كبيراً على أوساط الصفوف الأولى في حركة حماس وأسهمت في صلابة مواقفها ورفضها التناغم مع الخيارات والحلول السلمية.

الشيخ الذي ولد عام 1938، وهجّر مع أهله من قرية بشيت، وكان في شبابه متفوقاً علمياً، وعمل مدرساً في وكالة الغوث “أونروا”، وبعد مضايقات عديدة نُقل للعمل في مؤسسات أخرى تابعة لأونروا بعيداً عن ميدان التعليم وتربية الأجيال، وبعد تقاعده انخرط في العمل الدعوي والاجتماعي.

وتعدّ محطة إبعاد الشيخ عام 1992 إلى مرج الزهور برفقة 415 من كوادر حماس والجهاد الإسلامي، أحد أهم اللبنات التي أسهمت في الـاسيس لأيدلوجية وفكر الشيخ، حيث اشتهر فيما بعد بخطبة الجمعة من على منبر مسجد الرحمة بمدينة خان يونس.

إضافة إلى ذلك فإنّ الشيخ عرف عنه بأنّه مفوّه وطليق اللسان في خطبه ومواعظه، وبأنّه ثوري الفكر، وانبرى طيلة حياته الدعوية في الدعوة إلى التمسك بثوابت الدين وفلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، وفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي منذ نشأته، وفضح سياسات السلطة الفلسطينية واتفاقيات العار وفي مقدمتها “أوسلو”، الأمر الذي أكسبه الحظوة الجماهيرية والتأثير الكبير في الأوساط التنظيمية لحركة حماس.

ومن المقولات المأثورة والمنقولة عن الشيخ أحمد نمر وصفه لرموز السلطة الفلسطينية بأنّهم :"خواجات رام الله"، و"سلطة اخوان الخنازير"، في حين أنّ الراحل اسماعيل هنية كان يصف الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالأخ الرئبس أو الأخ أبو مازن، الأمر الذي جعل الشيخ أحمد نمر يبوخه على خلفية الخطاب الذي يعتبره مهادناً وناعماً والذي لا ينبغي استخدامه تجاه رموز سلطة أوسلو.

له جملته الشهيرة التي دائماً مايستهل به خطبه :"هنا صوت الاسلام، صوت الكلمة الطيبة، صوت الفقه الميسور، صوت العبادة الخالصة لله من الشرك والانحراف، صوت الرؤية الواضحة لواقع المعاناة، صوت الرؤية الكاشفة لأعداء الله"، هذا الواضح في العبارة والسلالة في مخاطبة الآخرين جعله من خطبه ومواعظه وقعاً في نفس وقلوب وأسماع جماهيره ومن يستمعون له.

وحينما أرادات الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في غزة اعتقال دز عبدالعزيز الرنتيسي عام ٢٠٠١ رفض تسليم نفسه واعتصم بالبيت، الأمر الذي آثار النزعة الثورية لدى الشيخ أحمد نمر، بل ودعا الجماهير إلى التصدي لحملة الاعتقال بحق الرنتيسي وقال كلمته الشهيرة: "لا أفلحتم اذا اعتقل الرنتيسي"، فقامت الجماهير بتلبية نداء الشيخ وأجبرت السلطة بالتراجع عن اعتقال الرنتيسي.

كل هذه المحطات والمواقف أسهمت للتأسيس والتمهيد للنجاح الذي حققته ولا تزال تحققه المقاومة الفلسطينية في غزة، بل وعمدت إلى تأسيس أيدلوجية المقاومة بين أوساط العديد من رموز حماس السياسية والعسكرية ومنهم الرنتيسي ومحمد الضيف والسنوارين (يحيى السنوار، محمد السنوار) وياسر النمروطي أول مسؤول لـ"كتائب القسام" الذراع العسكرية لحركة حماس.

وهنا يمكن القول أنّ الجيل الذي أنجبته حماس في غزة يختلف عن الجيل الذي أنشأته حماس في الضفة وهو الذي صنع هذا الصمود الأسطوري والانتصار في أصعب الظروف التي يمر فيها قطاع غزة، فالشيخ أحمد نمر يمكن أن يطلق عليه أيقونة العمل المقاوم في غزة والتي أسهمت في التأسيس لخطاب وفكرة المقاومة، بخلاف الواقع في الضفة الغربية الذي ارتضى أنصاف الحلول والإمساك بالعصا من المنتصف، وهذا سر نجاح المقاومة.

في غزة وتراجعها في الضفة الغربية التي يمكن القول أنّها لم تأخذ بمبدأ الحزم والعزم في المواقف والمتغيرات التي تمر فيها القضية الفلسطينية.