على وقعِ أصواتِ دعوات المستوطنين للهجوم على قرية "برقة" شمالي نابلس، استقبلت القرية أول أيام العام الجديد، وهي تفتتح أولى صفحات المواجهة، فيقفُ رجالها عزلاً بصدورهم العارية وحجارة قريتهم لمواجهةِ قطعان مستوطنين مسلحين يوفر جيش الاحتلال الإسرائيلي الحماية لهم، في حين تكتفي أجهزة أمن السلطة بتركيب "شبابيك حماية" على بعض نوافذ البيوت في المناطق القريبة لمستوطنة "حومش".
وفي وقتٍ تتعرضُ فيه القرية لهجمة شرسة من قطعان المستوطنين، يحيكون غدرًا في الخفاء لها، فلا ينام الأهالي مطمئنين أو آمنين، قررت أجهزة السلطة مؤازرة القرية بـ"طريقة فريدة"؛ بأن تضع "شبابيك حماية" على بعض البيوت.
خطوة جاءت لحفظ ماء الوجه أمام غضب الأهالي عن غياب عناصر السلطة الذين "يحجبون الشمس" حسب وصف قيادته -إن أرادوا ذلك- في وقت يعجزون فيه عن القيام بدورهم بحماية الأهالي، ويتوارون عن مواجهة المستوطنين خلف شِباكٍ حديدية.
وضع غير مستقر
لا يغادر المواطن عميد دسوقي منزله الواقع بالحي الغربي من القرية في منطقة "التماس" مع مستوطنة "حومش"، يراقب أي تحركات غريبة في المنطقة، هو والجيران، يقف أمام تحدٍ جديد لمواجهة سياسة خطيرة يفرضها الاحتلال ومستوطنوه.
يتأهب "دسوقي" وباقي الأهالي من أي اعتداء محتمل، فبعد المواجهات الأخيرة يعيشون وضعا غير مستقر، بحسب تعبيره أصبحت المنطقة على "صفيح ساخن"، نتيجة هجمات المستوطنين.
ويقول عن "شبابيك الحماية" التي تقوم أجهزة السلطة بتركيبها على نوافذ بعض المنازل: خطوة ليست كافية "فهذه الشبابيك الحديدية لن تمنع المستوطن من إلقاء زجاجات بنزين سريع الاشتعال، ولن تمنع حدوث كارثة كما حصل مع عائلة الدوابشة".
وطالب أجهزة السلطة بالوقوف عند مسؤولياتها بأن تكون حاضرة في الميدان وأن تفرز العناصر الأمنية من أهالي القرية الذين يخدمون بمناطق أخرى للبقاء بالقرية، إضافة لتدويل قضية القرية أمام الأمم المتحدة.
في وقتٍ يقول الاحتلال إن مستوطنة "حومش" مخلاة منذ عام 2005م، يبين أن هذه الإخلاء "قولا لا فعلا" إذ بقيت أشد أنواع الفئات تطرفًا مثل حركة "تدفيع الثمن" و"شبيبة التلال" يوجدون بالمستوطنة وبنوا مدرسة تلمودية لهم.
يقربُ "دسوقي" المجهر أكثر على واقع القرية: "الوضع الآن حذر جدًا أمام تجدد دعوات المستوطنين لتنظيم مسيرة حاشدة، وأمام هذه التحركات لا نشعر بالأمن والأمان ونحن نواجههم بصدورنا العارية والحجارة وإيماننا بعدالة قضيتنا".
"عندما تداعت القرى المجاورة لنصرة برقة، اضطررنا لإخلاء النساء والشيوخ والأطفال من الحي الغربي للقرية خوفًا عليهم من القنابل الصوتية والمسيلة للدموع والرصاص الذي سيطلقه المستوطنون" قال "دسوقي".
صورة تجميلية
تبدو "شبابيك الحماية" إجراءً دعائيًّا لتجميل أجهزة السلطة أكثر من أي فعل ميداني حقيقي، فقد رصدت الزميلة نجلاء زيتون حينما كانت في القرية قائد قوى الأمن وبعض ضباطه يعتلون كباش الجرافة، ثم التقطوا صورا تظهرهم وكأنهم يركبون الشبابيك، انتهى المصورون المرافقون من التقاط الصورة، ثم نزل أفراد الأمن بعدما حصلوا على مرادهم بأخذ اللقطة التي جاؤوا من أجلها.
تساءل السكان أمام عدسة الزميلة نجلاء، هل بالفعل ستقوم هذه الشباك بحمايتنا والمستوطنون لا يلقون حجارة بل قنابل غاز وصوت ويشهرون السلاح في وجه الأهالي؟
عن انطباع الأهالي تقول زيتون لصحيفة "فلسطين": "كان رأي الأغلبية يتركز بأنه ما دام هناك أجهزة أمن موجودة، فيجب أن تأتي بالعناصر بدلا من الحديد الذي وضعته على بعض النوافذ، خاصة أن هناك عناصر أمن من القرية يخدمون بمناطق أخرى".
من الصعب تنفيذ ما يطلبه الأهالي بتوفير حماية من عناصر الأمن، كما ترى "زيتون" كون رأس الهرم في السلطة لا يريد أن يقوم الأمن بمهامه في حماية المواطنين، فيريدون أن تبقى الأجهزة فقط واجهة غير فاعلة إلا عندما تلاحق هراواتها المعارضين.
أشبه بحالة من الشلل والترقب والخوف رصدتها "زيتون" خلال وجودها في القرية، تتعطل فيها الحركة، بحيث لا يستطيع طبيب القرية فتح عيادته لكونه مهددًا بالتعرض لسرقة المعدات من المستوطنين، كذلك يخشى أصحاب البقالات من فتحها خوفًا من اعتداءات المستوطنين الذين يتجولون بمحيط القرية دون رقيب أو حسيب.
ما لفت "زيتون" أيضًا، وجود توجه حقيقي لدى المستوطنين في الاعتداء على القرية، هذا التوجه علقوه على ملصقات لاحظتها على مدخل القرية يطالبون بالسيطرة على كامل الأرض، ويتوعدون الفلسطينيين بالقتل والموت، وهو ما "يجب أن يقابل بوحدة فلسطينية ودعم وإسناد لصمود الأهالي وأن يأخذ عناصر السلطة دورهم في حماية الأهالي".