لا تنفض أجهزة أمن السلطة عن دورها الوظيفي في حماية ظهر قوات الاحتلال، إذ تضرب بعصاها الثقيلة أبناء الشعب الفلسطيني "بلا رحمة" من خلال استمرارها بملاحقة النشطاء السياسيين والفاعلين في الفصائل الوطنية، وخير شاهد ما جرى في مخيم جنين شمال الضفة الغربية المحتلة مؤخرًا.
وعلى مدار الأسابيع الماضية، شنّت أجهزة أمن السلطة حملة عسكرية ضد النشطاء والمقاومين في مخيم جنين، حيث اعتقلت العشرات وصادرت بعض الأسلحة.
وقد كشفت القناة "12" العبرية، أن الاحتلال تراجع عن شن حملة عسكرية واسعة النطاق على جنين قبل عدّة أسابيع، بعدما تعهد أمن السلطة بتنفيذ هكذا حملة، مع ازدياد ما أسمته "المظاهر المسلحة".
واعتبر رئيس أركان جيش الاحتلال أفيف كوخافي ما حصل أحد ثمار التعاون الأمني الوثيق بين الجانبين في الآونة الأخيرة والتي توجت بلقاء رئيس السلطة محمود عباس مع وزير جيش الاحتلال بيني غانتس في منزل الأخير قبل أيام.
الفرض الأمني
يقول الناشط السياسي جهاد عبدو: إن حملة السلطة ضد جنين، جاءت بعد تقديرات جيش الاحتلال بأنه في طريق فقد سيطرته على المخيم، مشيرا إلى أن قناعة الاحتلال قائمة إشغال السلطة بمنع أي انفلات للعمل المقاوم.
وأوضح عبدو في حديث لصحيفة "فلسطين"، أن مخيم جنين يشكل خطرًا على (إسرائيل)، لذلك يدفع بالسلطة نحو إخماد أي تحركات مسلحة قد تنفجر في وجهه.
وأضاف أن "السلطة انتقلت من مرحلة التنسيق الأمني إلى "الفرض الأمني"، إذ أصبحت كل حياة السلطة وأجهزتها الأمنية بيد الاحتلال"، مشيرًا إلى أنها مجرد "أداة تنفيذية" فقط بيد الاحتلال، فهي لا تستطيع اتخاذ أي قرار دون الرجوع لـ (إسرائيل).
وشدد على أن "أجهزة أمن السلطة لا تستطيع أن تقول "لا" في وجه الاحتلال، وهذا ما يفسر نهج العقيدة الأمنية القائمة على التنسيق الأمني".
وتابع: "آن الأوان أن ينتفض عناصر أمن السلطة ويرفعوا صوتهم في وجه قيادتهم الأمنية، بالتوقف عن ملاحقة النشطاء من أبناء جلدتهم، لمصلحة خدمة الاحتلال"، لافتًا إلى أن السلطة تحولت إلى "كيان طارد" للشعب الفلسطيني من الضفة.
مؤشر خطير
من جانبه يقول الناشط والمحلل السياسي فخري جرادات: إن السلطة لا تقف عند مسؤولياتها تجاه شعبها، إنما تحارب من أجل مصلحة الاحتلال والحفاظ على أمنه.
واستدل جرادات خلال حديثه مع "فلسطين"، بالحملة الشرسة التي شنتها السلطة على جنين وغيرها من مدن الضفة الغربية، ضد أي مظاهر حزبية أو مراسم استقبال الأسرى المحررين وجنازات الشهداء ورفع كل الرايات المخالفة للحزب الحاكم في الضفة "فتح".
واعتبر ممارسات السلطة ضد الفلسطينيين في مختلف مدن الضفة "مؤشرًا خطيرًا"، فهي بدلًا من أن تقوم بدورها في حماية شعبها، تحمي ظهر الاحتلال، فهي تبني كيانًا إسرائيليًّا في الأراضي الفلسطينية.
وبيّن أن حملات الاعتقالات والاستدعاءات في جنين بذرائع "غير مبررة" أمام الشارع الفلسطيني هدفها القضاء على كل مظاهر المقاومة، وهو ما يريده الاحتلال، لافتًا إلى أن هذا هو مفهوم التنسيق الأمني القائم على منع الفلسطيني من مقاومة الاحتلال.
وختم حديثه "لا يمكن لهذه السلطة أن تكون شرعية ومعترفًا بها ما لم تكن في خندق شعبها ضد الاحتلال".
تجدر الإشارة إلى أن ممارسات السلطة لم تقتصر على مخيم جنين فحسب، بل طالت مختلف مدن الضفة الغربية، خاصة التي تكثر فيها المواجهات بين الشبان وقوات الاحتلال.
مسألة خطيرة
بدروه أكد المتحدث باسم حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، طارق عز الدين أن أجهزة السلطة تعمل جاهدة على تطبيق الإجراءات الأمنية والقمعية ضد أبناء الشعب الفلسطيني استجابة للضغوطات الإسرائيلية والتنسيق الأمني المفروض عليها ضمن الاتفاقيات الموقعة بينهما.
وشدد عز الدين خلال حديثه مع "فلسطين" على أن "السلطة تشن حملة غير مسبوقة على أبناء المقاومة والشعب الفلسطيني ممن لهم دور باع في التصدي للاحتلال والمستوطنين".
واعتبر هذه الممارسات "مسألة خطيرة" ولا تنذر بوحدة الصف الفلسطيني ولا تبشر بأن يكون هناك مصالحة جدية تُفضي لالتئام الصدع الفلسطيني الحاصل، مشيرًا إلى أن مخيم جنين شكّل نموذجًا في المقاومة التي عجز الاحتلال عن إخمادها واجتثاثها طول سنوات الانتفاضة.
وطالب، الأجهزة الأمنية بالعدول عن هذا المسار وتعود للصف الفلسطيني والعمل من أجل الهدف الذي وُجدت لأجله وهو حماية المقاومة والشعب الفلسطيني والدفاع عنه أمام هجمات الاحتلال وقطعان المستوطنين.
ورأى أن حديث "كوخافي" يوضح طبيعة العلاقة بين السلطة والاحتلال، فالأخير يضغط على أجهزة السلطة بملاحقة أبناء شعبها، معتبرًا لقاء عباس مع غانتس "تتويجًا للخدمة الأمنية مقابل الرشاوي وبعض الأموال لمتنفذين بالسلطة".