أثار فشل العدوانات التي شنها نتنياهو على قطاع غزة وخاصة في 2014 موجات انتقادات وردود فعل مناوئة له من الأوساط السياسية والأمنية والعسكرية الإسرائيلية
في عام 2009 صعد زعيم حزب "ليكود" اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو إلى سدة الحكم في دولة الاحتلال الإسرائيلي، ليتولى مجددًا رئاسة الوزراء بعد سنوات طويلة من توليه المنصب ذاته في المدة (1996- 1999).
واستمرت مدة حكم نتنياهو الأخيرة حتى مطلع عام 2021، وهي المدة الأطول في تاريخ رؤساء حكومات الاحتلال، وعددها يزيد على 30 حكومة تعاقبت منذ إقامة ما يسمى (إسرائيل) على أرض فلسطين المحتلة بعد نكبة 1948.
ولما اعتلى سدة الحكم تعهد نتنياهو بمواجهة ما وصفها بالمخاطر التي تهدد دولة الاحتلال، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية حماس، وجناحها العسكري كتائب القسام، إضافة إلى الخطر الإيراني.
وخلال توليه مقاليد الحكم طيلة 12 عامًا خاض جيش الاحتلال سلسلة اعتداءات عسكرية موسعة على قطاع غزة، أبرزها كان نهاية عام 2012 واستمر 8 أيام، وصيف 2014 واستمر 51 يومًا، وسعى نتنياهو من وراء ذلك إلى تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية على حساب الأطفال والنساء الضحايا، لكن جيشه فشل في تدمير البنية التحتية للمقاومة بغزة، التي استطاعت الردّ على العدوان بما تملكه من إمكانات وقدرات صاروخية مفاجئة.
وأثارت الاعتداءات العسكرية ولجوء نتنياهو إلى اتخاذ قرار وقفها دون الرجوع إلى المجلس الوزاري المصغر (كابنيت)، خاصة في عدوان 2014، دون تحقيق أهداف استراتيجية للاحتلال؛ موجات انتقادات وردود فعل مناوئة له من الأوساط السياسية والأمنية والعسكرية الإسرائيلية.
ودخل نتنياهو عدة جولات انتخابية استطاع أن يظفر فيها بالفوز، رغم التطورات السياسية التي أضرت بمستقبله السياسي، وتهم الفساد التي تلاحقه وخضع لأجلها لجولات مطولة من التحقيق، وكانت هذه القضايا أخيرًا سببًا في اقتلاعه من منصبه، وفوز نفتالي بينيت بدلًا منه.
سيطرة وتفوق عرقي
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا د. أسعد غانم: "إن نتنياهو أكثر رؤساء حكومات الاحتلال معاداة للشعب الفلسطيني، فهو شخصية تفتش فقط عن مصالحها"، واصفًا إياه بأنه "شخص أيديولوجي من الطراز الأول"، له يمينية متطرفة مبنية على مركبين أساسيين: الأول السيطرة التامة على مقاليد الحكم دون منافس، والثاني الحفاظ على التفوق العرقي لليهود من البحر إلى النهر، "وهذا يعني التشديد على العوامل والخطوات التي تمنع قيام دولة فلسطينية، مع ضمان سيطرة إسرائيلية فعلية على جميع أراضي فلسطين المحتلة".
وذكر غانم في حديث إلى صحيفة "فلسطين" أن نتنياهو استطاع تحويل السلطة برام الله إلى وكيل للاحتلال، ونجح في ذلك إلى حد بعيد، بعد فشل مشروع التسوية الذي وقعه رئيس السلطة محمود عباس في "أوسلو".
ولفت إلى أن نتنياهو قدم إنجازات غير مسبوقة للاحتلال، وأصبح أهم رئيس وزراء بعد "بن غوريون" رغم إقامته دولة الاحتلال ومشاركته في تهجير الفلسطينيين قسرًا من أراضيهم، إذ إنه خلال مدة تولي نتنياهو رئاسة الحكومة فتح الأبواب أمام علاقات ممتازة مع روسيا والصين والهند وإفريقيا، وعلاقات تطبيع مع دول عربية وازنة في المنطقة.
ورأى غانم أن نتنياهو كان ضحية لنجاحاته بدرجة كبيرة، إذ كان بإمكانه تشكيل حكومة مع شركائه الطبيعيين في الأحزاب اليمينية دون إدخال أي تغيير سياسي، لكن نتيجة ذلك أصيب بـ"جنون العظمة"، وفقد جزءًا من شركائه الطبيعيين حتى خسر الانتخابات الأخيرة.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية: "إن قضايا الفساد التي يواجهها نتنياهو تعكس استخفافه، إذ كان ضحية لنفسه واستخفافه، وليس نتيجة حالة سياسية بديلة لليمين الذي يقوده".
وبين أنه بسبب قدراته الشخصية والحالة السياسية الدولية والحالة الإسرائيلية وما رافقها من جنوح نحو اليمين واليمين المتطرف استطاع نتنياهو أن يبني نفسه من الصفر كملك جديد لـ(إسرائيل)، ويغير فيها ليجعلها أكثر يمينيةً وتطرفًا تجاه الشعب الفلسطيني، مستدركًا: "لكن هذا الملك سقط أخيرًا وخسر معركته الانتخابية، والحقيقة لا يوجد بديل بقدراته، حتى رئيس الحكومة الحالي بينيت نفسه".