تهافتت أنظمة عربية مطبعة مع (إسرائيل) فيما تعرف باتفاقيات "أبراهام" إلى تعزيز علاقاتها مع الاحتلال، ظنًّا أنها توفر لنفسها حمايةً أو أمنًا، لكنها ستكتشف أنها كانت تلهث وراء الخراب، وهو ما تعيه الشعوب جيدًا، وليس بعيدًا ما أبهر العالم في كأس العرب في قطر، عندما كانت فرصة لتقول الجماهير كلمتها: فلسطين أولًا وأخيرًا.
باندفاع روّجت أنظمة عربية لما سماه دونالد ترامب الذي أزاحه الشعب الأمريكي عن الحكم "اتفاقيات أبراهام"، التي جمعت تلك الأنظمة بآخر احتلال في العالم، هو (إسرائيل)، وسخّرت قدراتها وغزلها الصريح، "للتعاون" معها، على حساب الشعب الفلسطيني.
(إسرائيل) بدورها تتخذ -وفقًا لما ذكر مراقبون- علاقاتها مع الأنظمة المطبعة سبيلًا لـ"تلميع" صورتها عالميًّا، وصرف الأنظار عن القضية الفلسطينية، و"التمدد" باتجاه إقامة علاقات رسمية مع دولٍ كان مجرد التواصل معها يُعد حلمًا لـ(إسرائيل).
وفي 12 كانون الأول (ديسمبر) وصل رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت إلى العاصمة الإماراتية أبو ظبي، في أول زيارة رسمية لرئيس حكومة الاحتلال منذ إقامة العلاقات بين الجانبين العام الماضي، وفي 26 من الشهر نفسه التقى حاكم رأس الخيمة الإماراتية سعود بن صقر القاسمي، سفير دولة الاحتلال الإسرائيلي لدى الإمارات أمير حايك.
وافتتح وزير خارجية الاحتلال يائير لبيد في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) سفارة لـ(إسرائيل) في المنامة، في زيارة التقى خلالها ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، ومسؤولين آخرين بارزين، ورافقتها تظاهرات مناهضة للتطبيع.
وفي 13 آب (أغسطس) 2020 أعلن ترامب أن (إسرائيل) والإمارات اتفقتا على تطبيع العلاقات، وتلا ذلك سيل من الاتفاقيات اللاحقة التي أبرمت مع عدد من الدول العربية، هي: السودان، والمغرب، والبحرين.
وعلى نطاق واسع يُنظر إلى اتفاقية كامب ديفيد بين جمهورية مصر العربية و(إسرائيل) عام 1979 محطةً للتطبيع الرسمي مع الأخيرة، وكذا الحال مع اتفاقية وادي عربة الموقعة مع المملكة الأردنية الهاشمية عام 1994.
ويصف رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع د. أحمد ويحمان التطبيع مع (إسرائيل) بأنه "خنجر غدر" في ظهر القضية الفلسطينية، مستدركًا: "لكن الشعب الفلسطيني أقوى من أن تنال من إرادته كل الخناجر المسمومة والمطبعين".
ويقول ويحمان لصحيفة "فلسطين": "تجاوزت الأنظمة العربية مرحلة التطبيع مع الاحتلال وباتت مستعمرات، وأصبح التطبيع مع المغرب يتعلق باحتلال الأرض والمقدرات ووضع اليد على الثروات الوطنية واحتلال الإرادة".
ويوضح أن تأثير التطبيع على الدول العربية يكمن في هدفه، وهو السيطرة عليها وتقسيمها وإشعال الفتن فيها، وتفتيت المنطقة، والحفاظ على أمن الاحتلال، مضيفًا: "هذا هو الدور الوظيفي الذي أنشئ من أجله كيان الاحتلال في المنطقة".
ويكمل: "المخططات الصهيونية والأمريكية تدفع باتجاه تقسيم المنطقة إلى دويلات جديدة، والتحكم بمواردها ومقدراتها".
والأنظمة العربية -وفقًا لحديث ويحمان- تقوم بوظيفة حماية للاحتلال وجعله "مقبولًا" بالمنطقة.
ويرى أن تطبيع علاقات بلاده مع الاحتلال يلحق أكبر الضرر بالشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، مفسرًا: "من يحاول التغطي بالقضية الفلسطينية، ويدعي أن علاقاته مع الاحتلال ستنعكس إيجابًا على الشعب الفلسطيني؛ واهم".
ووقع المغرب والاحتلال الإسرائيلي في 24 تشرين الآخر (نوفمبر) اتفاق إطار للتعاون الأمني "غير مسبوق"، خلال زيارة هي الأولى من نوعها لوزير جيش الاحتلال بيني غانتس إلى المملكة.
ويثق ويحمان بأن النصر للفلسطينيين آتٍ لا محالة، فكما انتصرت الشعوب التي قاومت الاحتلال سينتصر الشعب الفلسطيني.
مصلحة إسرائيلية
ويتفق رئيس حركة (NOR) لمقاومة التطبيع في إسطنبول محمود سعيد الشجراوي مع سابقه في أن التطبيع العربي يصب في مصلحة الاحتلال الإسرائيلي، الذي يعمل جاهدًا على سلب الأرض والمقدسات.
ويقول الشجراوي لصحيفة "فلسطين": "إن التطبيع أظهر تراجع مكانة القضية الفلسطينية عند الأنظمة التي كانت "تتاجر" بفلسطين"، محملًا السلطة في رام الله المسؤولية الكبرى عن "جريمة التطبيع والتنسيق الأمني"؛ فهي -برأيه- أعطت الدول العربية العذر لتقيم علاقات تطبيعية.
ويصف التعاون الأمني بين السلطة و(إسرائيل) بالجريمة الكبرى التي ارتكبت بحق الفلسطينيين بعد نكبة سنة 1948، مؤكدًا أنه "مثّل مدخلًا للدول العربية للهرولة خلف التطبيع، وقيد المتضامنين ومنع النشطاء من انتقاد الاحتلال عبر المنصات الاجتماعية".
ويوضح أن التطبيع يرمي إلى "إعطاء شرعية الوجود" المزعوم لكيان الاحتلال في المنطقة، ورفع صفة الاحتلال عنه، ليبدو كـ"الجسم الطبيعي المقبول"، ورفع صفقة الجريمة عن (إسرائيل).
ويؤكد الشجراوي أن الكاسب من وراء التطبيع هو الاحتلال، مستدركًا: "لكن هذا لن يكون، لأن الأمة مخلصة لقضاياها عمومًا، وقضية فلسطين خصوصًا".
ويأسف لكون الدول المطبعة "قدمت خدمات مجانية للاحتلال، ولم تستفد تلك الدول شيئًا من تطبيع العلاقات"، مشيرًا إلى أن الاحتلال أراد من علاقاته فتح أسواق جديدة في الدول العربية لمنتجاته.
وتوقعت "جيروزاليم بوست" أن تصل قيمة المبادلات التجارية بين الإمارات و(إسرائيل) إلى مليار دولار مع نهاية 2021، وأن تتجاوز 3 مليارات في غضون 3 أعوام.
ويقول الشجراوي: "رغم محاولات الاحتلال لاختراق الدول العربية وإقامة علاقات تطبيعية مع شعوبها سيفشل، إذ حاول استقدام موظفي تلك الدول إلى الأراضي المحتلة، ليظهر أمام العالم أن الشعوب طبعت علاقاتها معه"، مؤكدًا رفض الشعوب العربية التطبيع.
ويستدل على ذلك بالمسيرات التي شهدتها الدول العربية المطبعة، إذ رفضت شعوبها التطبيع وطالبت حكوماتها برفضه، وأيضًا بتغنّي الجماهير العربية بفلسطين في كأس العرب في قطر.