فلسطين أون لاين

القدس.. سيفُ المقاومة يقصمُ ظَهر (إسرائيل)

...
القدس المحتلة-غزة/ نور الدين صالح:

"يا قدسُ.. الغضبُ الساطعُ آتٍ" قالها الأَخوان رحباني يومًا، وشهد المُحتلّونَ معناه على يد المقاومة في قطاع غزة، التي كلما قالت فعلت.

فرّقت جمع المستوطنين بعدما ظنوا أنه مُحصنٌ بترسانة عسكرية تصنف أنها "الأقوى"، وشتتت شملهم وهم يستبيحون باحات المسجد الأقصى في شهر رمضان المبارك، ونكّست أعلامهم، وتعانقت مع صرخات أهالي القدس: "الله أكبر.. يا غزة يلا مشان الله"، هذا بعض ما حققته صواريخ المقاومة في أيار (مايو).

لم يكن قطاع غزة بمنأى عن المتغيرات الدراماتيكية التي شهدها المسجد الأقصى وأحياء مدينة القدس، تحديداً "الشيخ جراح"، قبل اندلاع معركة "سيف القدس".

وشهدت المدينة المقدسة منذ بداية شهر رمضان في 13 نيسان (أبريل) سلسلة اعتداءات نفذتها شرطة الاحتلال والمستوطنون في منطقة "باب العامود" وحي الشيخ جراح ومحيط المسجد الأقصى، ما أدى إلى اندلاع مواجهات، في حين كان يعتزم المستوطنون تنظيم "مسيرة الأعلام" في 28 رمضان، إحياءً لما يُسمونه "يوم توحيد القدس".

ووجه القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس محمد الضيف، في الخامس من مايو؛ "التحذير الأخير" للاحتلال والمستوطنين قائلًا: "إن لم يتوقف العدوان على أهالي الشيخ جراح في القدس حالاً، فإن كتائب القسام لن تقف مكتوفة الأيدي، وسيدفع الاحتلال الثمن غاليًا".

وفي الـسابع من أيار (مايو) وجه الناطق باسم سرايا القدس أبو حمزة رسالة إلى الاحتلال: "إن كل عمل إجرامي يضاف إلى الحساب الذي ستدفعون ثمنه غالياً".

وفي الـتاسع من أيار (مايو) قال رئيس حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بالخارج خالد مشعل: "لن نسمح للمستوطنين ولا قادتهم، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو (رئيس حكومة الاحتلال آنذاك)؛ أن ينجحوا في معركة السيطرة على القدس"، مؤكدًا أن "الضيف" عند وعده لأهل القدس.

وفي أعقاب هذه التهديدات اشتدت وطأة الأحداث في القدس، ما دفع محكمة الاحتلال لتأجيل مناقشة قضية "إخلاء 28 عائلة فلسطينية منازلها" في الشيخ جراح، مدة 30 يوماً، خشية تدحرج الأوضاع نحو التصعيد.

وفي صبيحة العاشر من مايو، مع استمرار اعتداءات الاحتلال التي أدت إلى إصابة أكثر من 305 فلسطينيين؛ حددت الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة بغزة في بيان على لسان الناطق باسم القسام أبي عبيدة مهلة لـ(إسرائيل) حتى الساعة السادسة، لسحب جنودها من الأقصى وحي "الشيخ جراح" في القدس والإفراج عن المعتقلين.

وما إن دقت الساعة السادسة حتى وجهت القسام ضربة صاروخية ردًّا على جرائم الاحتلال، ودوت صفارات الإنذار في القدس المحتلة، واستمرت المعركة على مدار 11 يوماً، لقنت فيها الكتائب وفصائل المقاومة الاحتلال درساً كبيراً، وأثبتت للعالم أجمع أن القدس عاصمة كل الفلسطينيين.

وأطلقت فصائل المقاومة ما يزيد على 4 آلاف صاروخ تجاه المدن المحتلة، أدت إلى مقتل 12 إسرائيليّاً وإصابة 330 آخرين، حسبما ذكرت مصادر إعلامية إسرائيلية، وبلغ مجمل الخسائر الاقتصادية للاحتلال نحو 7 مليارات شيقل.

وبلغ عدد ضحايا العدوان على غزة 232 شهيدًا، منهم 65 طفلًا و39 سيدة و17 مسنًّا، بجانب نحو 1900 جريح، حسب إفادة وزارة الصحة في القطاع.

إعادة البوصلة

المختص في الشأن الأمني إبراهيم حبيب يستعرض أبرز نتائج المعركة، وأهمها إعادة البوصلة الفلسطينية تجاه القدس التي تجمع المواطنين، فهي كفيلة بإعادة صياغة الوحدة الوطنية على امتداد الجغرافيا الفلسطينية في الأراضي المحتلة سنة 1948 والضفة وقطاع غزة، مشيراً إلى أن الوحدة الفلسطينية الميدانية ظهرت خلف المقاومة بشكل موحد.

ويوضح حبيب لصحيفة "فلسطين" أن المعركة جعلت المقاومة الخيار الأول للشعب الفلسطيني، في مواجهة جرائم الاحتلال، إضافة إلى أنها كسرت "هيبة" (إسرائيل) أمام الأمتين العربية والإسلامية، عادًّا إياها "استفتاء فلسطينيًّا" عن المقاومة مع تعطيل "رئيس السلطة" محمود عباس الانتخابات.

ويبيّن أن "سيف القدس" أظهرت هشاشة (إسرائيل)، ما سيكون له انعكاساته في أي مواجهة قادمة، لا سيّما أن المقاومة جعلت أكثر من نصف الإسرائيليين في الملاجئ أكثر من 10 أيام.

ويذكر أن هذه المعركة أظهرت ضعف الاحتلال أمام مشغليه في الغرب، وأبرزهم الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، وهو ما يجعله لن يصمد في أي مواجهة إقليمية قادمة.

وحسبما يرى حبيب؛ إن المعركة شكّلت "بروفا" مباشرة لمعركة التحرير القادمة، وأعطت الفلسطينيين الأمل في إنهاء الاحتلال واستعادة الحقوق الفلسطينية.

ويشير إلى أن المعركة وضعت يدها على نقاط الضعف الإستراتيجي لدى الاحتلال، ما سيمكن المقاومة من إبداء قدرة أكبر في المرات القادمة، إضافة إلى انتقال المقاومة من مرحلة التأثير في الجبهة الداخلية للاحتلال إلى الفاعلية، حينما استطاعت فرض حظر التجوال في أكثر المناطق المحتلة.

أيضًا استطاعت المعركة بشموليتها في القدس وغزة والضفة وأراضي الـ48 تثبيت الحق الفلسطيني في القدس، وتفنيد رواية الاحتلال بأحقيته المزعومة في تهويد القدس وأحيائها.

في حين أن هبّة فلسطينيي الـ48 برهنت بما لا يدع مجالًا للشك أن دولة الاحتلال أضعف مما تحاول تقديم نفسها به، وأن لديها خاصرة رخوة وحساسة لم تعد بمنأى عن الفعل الفلسطيني المقاوم والتأثر به، وفقًا لحديث حبيب.

ويتمم: "إن تماسك الرواية الفلسطينية في قضية القدس وحي الشيخ جراح أدى إلى تنامي المساندة والتعاطف على مستوى الفعاليات الشعبية والنقابية الدولية، إذ أظهرت الاحتجاجات الواسعة في عواصم عالمية حجم تنامي التعاطف مع الفلسطينيين وتجاوز رواية الاحتلال".