شهدت "الأونروا" محطات مفصلية هامة في سنة 2021، تستحق أن يطلق عليها "سنة التحدي الأصعب"، وذلك على مستوى الاستهداف السياسي والتمويل والتراجع في تقديم الخدمات لأكثر من 6 مليون لاجئ فلسطيني في مناطق عملياتها الخمسة، ومع غياب أي مؤشر من شأنه أن يكون مقدمة لأي تحسن، فمن المتوقع أن تكون سنة 2022 "سنة التحدي الأكثر صعوبة"، وربما كذلك تنذر بالأسوأ إن لم تحصل تغييرات جوهرية.
ربما كان الحدث الأبرز خلال السنة هو ما يتعلق بالمؤتمر الوزاري الدولي حول "الأونروا" الذي انعقد في بروكسل في 16/11/2021 والذي كان يهدف الى المزيد من الدعم السياسي والتحشيد المعنوي للوكالة وهو الهدف الذي يتكرر في انعقاد كل مؤتمر مشابه وهو ما تحقق، إلا أن الهدف الرئيس كان محاولة جمع مبلغ 100 مليون دولار هو العجز المالي للوكالة لسنة 2021.
ما برز من مؤشرات تتعلق في سياق التحضيرات لعقد المؤتمر، كفيلة بأن تعطي انطباع لدور اللوبي المعادي لـ "الأونروا" والضغط الذي مارسه في التأثير على مسار ليس فقط انعقاد المؤتمر وتحقيق أهدافه والذي كان مقررًا عقده في شهر آذار/مارس من العام 2021 وعاد وتم تأجيل انعقاده الى شهر حزيران/يونيو ومن ثم إلى تشرين الثاني/نوفمبر، وإنما كذلك التأثير على الدول المانحة والداعمة للوكالة.
على الرغم من الدور الكبير الذي لعبه كل من المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني وبالتعاون مع كل من الأردن والسويد لعقد المؤتمر الوزاري، إلا أن المخرجات لم تكن على المستوى المطلوب فقد تم جمع مبلغ 38 مليون دولار فقط، وغابت كل من الإمارات والسعودية عن المؤتمر وبالتالي لا مساهمات مالية منهما لسنة 2021 وتراجع تمويل دولتي قطر (17 مليون دولار فقط حتى تاريخ 10/11/2021) والكويت (21.5 مليون دولار عن سنوات 2020 و 2021 و 2022)، وإجمالًا تكرار لعدم التزام الدول العربية بما نسبته 7.8% من الميزانية العامة للأونروا.
ختمت "الأونروا" سنة 2021 بعجز مالي قيمته 55 مليون دولار ولم تستطع الحصول إلا على 40% من ميزانية العام 2022، وأصدرت قرار في 15/12/2021 بتبديل المساعدة النقدية الشهرية متعددة الأغراض المستحقة لكل عائلة فلسطينية مهجرة من سوريا إلى لبنان وقيمتها 100 دولار أمريكي ابتداءً من الأول من كانون الثاني/يناير 2022 وبأن المساعدة ستقتصر على 25 دولار للشخص الواحد شهريًا بعد أن كان في السابق 27 دولار وستقوم الوكالة بدفع مبلغ تكميلي لكل عائلة قيمته 150 دولار وعلى دفعتين خلال السنة مما يعطي مؤشر بان الوكالة ستكون امام أزمة مالية حادة جديدة في سنة 2022 سترتد سلبا على الخدمات التي تقدمها الوكالة الصحية والتعليمية والاغاثية والبنى التحتية وغيرها من الخدمات بالإضافة.
لأول مرة في تاريخ الوكالة تعاني "الأونروا" من أزمة رواتب موظفين بحيث يجري التأخير في عملية التسليم، وما يرافقها من حالة من اللا استقرار وعدم الأمان الوظيفي؛ فقد تم تسليم راتب شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021 في التاسع من كانون الأول/ديسمبر 2021 وقد اعتادت وكالة "الأونروا" تسليم رواتبها عادة خلال الأيام الخمسة الأخيرة من كل شهر، وفي الوقت الذي يرتفع فيه أعداد اللاجئين الفلسطينيين وتزداد حاجاتهم، في المقابل اضطرت "الأونروا" ونتيجة الأزمة المالية بأن توقف برنامج التوظيف، وبالتالي المزيد من العبء على الموظفين.
كان للوبي المعادي للأونروا في بريطانيا الذي تترأسه سفيرة دولة الاحتلال في المملكة المتحدة دور كبير في تخفيض مساهمة لندن المالية للوكالة لسنة 2021 من 42 مليون جنيه إسترليني في سنة 2020 إلى 20.8 مليون جنيه استرليني لسنة 2021، وهي سابقة غير معهودة، إذ كانت تعتبر بريطانيا ثالث أكبر مانح للأونروا، وكذلك اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة قرارًا جاء على لسان وزيرة الدولة للتعاون الدولي ريم الهاشمي في شباط/فبراير 2021 الى وقف تمويل بلادها للأونروا "لحين اتخاذ خطوات لإدارة الأموال بكفاءة أكبر".
استأنفت أمريكا دعمها المالي للأونروا في نيسان 2021 بمبلغ 150 مليون دولار، ولكن بقي مشروطًا كما ورد وبشكل صريح في اتفاق الإطار الذي تم توقيعه بين المفوض العام للأونروا لازاريني والإدارة الأمريكية في 14/7/2021 بتسلم الوكالة - على إثر التوقيع - مبلغ إضافي قيمته 135.8 مليون دولار.
لأول مرة تتسع دائرة اللوبي المعادي للأونروا ليشمل المزيد من البرلمانيين الأوروبيين، وهذا ظهر خلال اعتماد لجنة الموازنة في البرلمان الأوروبي في 11/10/2021 مقترح بقطع 23 مليون دولار من ميزانية الإتحاد الأوروبي للسلطة الوطنية الفلسطينية لسنة 2022 إن لم تعمل السلطة على التعديل في المناهج الدراسية بما يخدم دولة الاحتلال والتعايش مع المحتل، والهدف من المقترح كان وكالة "الأونروا" التي تدرس في مدارسها مناهج الدولة المضيفة. سقط المقترح أثناء النقاش في البرلمان الأوروبي في 21/10/2021 ورفع الإتحاد الأوربي مساهمته المالية للوكالة بقيمة 55 مليون يورو لسنة 2022 ليصبح 142 مليون يورو بدل 92 مليون، لكن التصويت لصالح إسقاط القرار كان 529 نائبًا أوروبيا مقابل 354 نائبًا مع القرار وهنا تكمن الخطورة بأن عدد 354 نائبا لا يستهان به ومن المحتمل أن يرتفع العدد في سنة 2022.
على الرغم من حالة الاستهداف متعدد الجبهات على وكالة "الأونروا"، إلا أن بقيت وتيرة جمع التبرعات المالية للوكالة تقليدية على حالها، دون أي خطوات إبداعية كتلك التي رأيناها في سنة 2018 مقابل العجز المالي غير المسبوق للوكالة والذي بلغ 446 مليون دولار حينها مع بداية العام، واستطاع المفوض العام السابق للأونروا بيير كرينبول من تغطية العجز وبالكامل ودخول سنة 2019 بصفر عجز مالي.
شكلت الزيارة التاريخية لأمين عام الأمم المتحدة انطونيو غوتيريش إلى إحدى مدارس "الأونروا" في لبنان بتاريخ 20/12/2021 ولقائه أهالي وبرلمان طلابي دعمًا معنويًا وسياسيًا هامًا للأونروا وهو ما يجب استثماره والبناء عليه تحديدًا في الأمم المتحدة، لجهة حماية "الأونروا" وإيجاد حل جذري للأزمة المالية كافٍ ومستدام وفقا لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة لسنة 2017.
بالإضافة إلى الدور التقليدي للأونروا، لم يرتق الحراك السياسي والشعبي والقانوني والإعلامي والدبلوماسي الفلسطيني وغير الفلسطيني من العربي أو الدولي المساند في العام 2021 إلى المستوى المطلوب لحماية "الأونروا" وحمايتها والدفاع عنها والتوصل على الأقل لثبات أو إلى انحدار الرسم البياني لعملية الاستهداف والتراجع في التمويل، إذ ومنذ بداية العام 2021 والمفوض العام للأونروا فيليب لازاريني يكرر بأن الوكالة تعاني أزمة وجودية وبان الوكالة على وشك الانهيار.
هي مؤشرات ليست بالسليمة على الإطلاق وتضع الجميع أمام مسؤولياته، خاصة وأن الهدف الإستراتيجي من استهداف "الأونروا" هو سياسي متعلق بإنهاء قضية اللاجئين وحقهم بالعودة، وتثبيت شرعية دولة الاحتلال في الأمم المتحدة من خلال شطب القرار 194 لسنة 1948 الذي أكد على حق العودة والتعويض واستعادة الممتلكات؛ على اعتبار أن القرار 194 يعتبر الشرط الثاني الذي يجب أن تطبقه دولة الاحتلال بعد تطبيق القرار 181 لتاريخ 29/11/1947 حتى تصبح "دولة شرعية"، القرار الأول تجاوزه الاحتلال بعد توقيع اتفاق اوسلو والاعتراف المتبادل سنة 1993، بقي القرار 194 الذي تكرر ذكره لثلاث مرات في قرار إنشاء "الأونروا" رقم 302 لتاريخ 8/12/1949.
لذلك إدارة "الأونروا" مطالبة بتطوير آليات التواصل مع الدول المانحة معززة بماكينة إعلامية احترافية تكون قادرة على دحض الافتراءات التي توجه لها من قبل اللوبي المعادي للأونروا، كذلك مطلوب من الأطر الرسمية العربية والإسلامية والدولية المسانِدة والداعمة للقضية الفلسطينية عدم الاكتفاء بعبارات الدعم والمساندة والتعاطف.. والتحرك الفاعل لحماية الوكالة وحل أزمتها المالية المزمنة في الجمعية العامة للأمم المتحدة وإلى غير رجعة، كذلك مطلوب تفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية والدبلوماسية الفلسطينية سواء في الدول المانحة للأونروا أو في الأمم المتحدة، كما ان الدول المضيفة للاجئين مدعوة لدق ناقوس خطر احتمال نقل خدمات اللاجئين إليها في حال استمرار الشح المالي للوكالة..، والمطلوب أيضًا الحراك الشعبي الفلسطيني أينما وجد لا سيما في مخيمات وتجمعات اللاجئين في مناطق عمليات "الأونروا" الخمسة، أن يكون هادفًا وموجهًا لدى الدول المانحة بتحمل مسؤولياتها تجاه الوكالة وقضية أكثر من 6 مليون لاجئ فلسطيني مسجل في سجلات الوكالة وإلا ستكون سنة 2022 بالنسبة للأونروا واللاجئين السنة الأكثر تحديًا وصعوبة.