زيارة الرئيس عباس ومعه مسؤول المخابرات ماجد فرج ومسؤول الشؤون المدنية حسين الشيخ لوزير جيش الاحتلال غانتس، في ذروة الهجمة المسعورة التي يشنها قطعان المستوطنين على شعبنا في الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني عام 1948، أتت في هذا الظرف بالذات لتؤكد أن خيار التنسيق الأمني للسلطة مع دولة الاحتلال هو خيار إستراتيجي يتقدم على أي خيار آخر سواء ما يتعلق بالمصالحة أو إنهاء الانقسام، فعباس دوماً يقول إنه لا مصالحة قبل اعتراف حماس بقرارات الشرعية الدولية.
كذلك يؤكد أن السلطة الفلسطينية هي جزء من بنية وتكوينة النظام الرسمي العربي المنهار والمهرول للتطبيع مع دولة الاحتلال، ولذلك هذه السلطة جزء من حلف أبراهام" التطبيعي، وغير مستعدة أن تخرج القرار الفلسطيني من تحت عباءة منظومة دول النظام الرسمي التابع لأمريكا، أو أن تفتح القرار والخيار على أرحب فضاء عربي إسلامي.
الزيارة أتت أيضا من أجل قطع الطريق على أي هبة أو انتفاضة شعبية فلسطينية، من شأنها أن تزيد من تهميش دور السلطة المهمش وتعرض وجودها للخطر، في ظل تصاعد المواجهات بين شعبنا الفلسطيني والغزاة من قطعان المستوطنين.. تلك المواجهات التي ستدفع نحو تعزيز نهج وخيار المقاومة في الساحة الفلسطينية.. هذه الزيارة من شأنها تعميق الانقسام الفلسطيني وتحويله إلى انفصال دائم، وكذلك ستزيد من ضعف العامل الفلسطيني.. وستعيد الساحة الفلسطينية إلى مربع التحريض والتحريض المضاد والحروب الإعلامية والسياسية، وأبعد من ذلك الاحتلال سيراهن على دخول الساحة الفلسطينية في اشتباك داخلي.
هذه الزيارة من شأنها إعطاء الضوء الأخضر لدول النظام الرسمي العربي المنهار المترددة في إعلان علنية وشرعنة تطبيعها مع دولة الاحتلال إلى العلن، لكي تخرج هذه العلاقات من سريتها إلى علنيتها، وفي المقدمة منها مملكة آل سعود.
هذه الزيارة تؤكد أن نهج التفرد والإقصاء ما زال يحكم عقلية هذه القيادة التي تتحكم في القرار الفلسطيني وتهيمن عليه. إن سياسة التذلل للاحتلال لن تؤدي سوى إلى المزيد من الضعف والتفتت في الساحة الفلسطينية، وحكومة الاحتلال هذه أغلقت نافذه أي حل سياسي، ومن يشاهد ما يجري على الأرض من عدوان شامل لقطعان المستوطنين على شعبنا و"غول" الاستيطان المتصاعد... يؤكد أن هذه الحكومة وكل الحكومات الصهيونية، لديها ثابت أساسي مواصلة الاستيطان ورفض أي خيار سياسي يقوم على إقامة ليس دولة فلسطينية، بل حتى محمية فلسطينية، وخيارها فقط ما يسمى السلام الاقتصادي، ولذلك دولة الاحتلال وأمريكا ودول الغرب الاستعماري ستزيد من حجم مساعداتها ودعمها المالي والاقتصادي لهذه السلطة لكي تمنع انهيارها، وكذلك ستزيد منح تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين والتجار، بالدخول إلى القدس والداخل الفلسطيني.
واضح أن حكومة الاحتلال الحالية الهشة وغير المتجانسة سياسياً، تريد تبريد جبهة الضفة الغربية للتفرغ إلى جبهات أخرى، ربما شن عدوان شامل على قطاع غزة.. أو الجبهة الشمالية.. كواحدة من أولوياتها في هذه المرحلة.
إن الزيارة تشكل طعنة غادرة لنضالات وتضحيات الشعب الفلسطيني، فهذه القيادة المهيمنة والمتفردة في القرار الفلسطيني، هذا سقف خياراتها، فهي لن تغادر نهج وخيار المفاوضات، وبالتالي على القوى أن تعمل على رسم رؤية واستراتيجية فلسطينيتين تقومان على أساس الصمود والمقاومة، والبحث في كيفية استعادة القرار الفلسطيني من خلال إقامة جبهة وطنية عريضة أو ائتلاف فلسطيني شامل في الداخل والخارج، يتولى مهمة البحث في توحيد أوسع طيف فلسطيني من خلال جبهة إنقاذ وطني فلسطيني.