ستة أشهر مضت على حكومة نفتالي بينيت، تلك الحكومة الهشة التي لولا دعم منصور عباس لها لسقطت في التو، خلال الستة شهور الماضية لم تقدم حكومة بينيت شيئًا يذكر لما كان يسمى يومًا عملية السلام، تلك العملية التي ألفت أسماعنا منذ بداياتها الأولى العبارة الشهيرة على لسان كبير المفاوضين الراحل صائب عريقات "عملية السلام وصلت لطريق مسدود".
ورغم ذلك ما زالت القيادة الفلسطينية توهم نفسها أنها تخوض عملية سلام رغم أنها تعلم يقينًا أن ما تسعى إليه وهم وتتشبث بثلاثة المفاوضات والتنسيق الأمني ورفض الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني.
يعرف الطب النفسي "الوهم بأنه عدم القدرة على التمييز بين الواقع وما يتخيله الإنسان، إذ يعاني المصابون بالوهم من أفكار ومعتقدات يصرون عليها رغم أنها غير صحيحة أو غير واقعية"، وهذا ما تعانيه القيادة الفلسطينية في رام الله منذ زمن، ولذلك تستجدي لقاء مع أضعف رئيس حكومة إسرائيلية في تاريخها.
الوهم ذاته الذي ذكرنا تعريفه يعيشه نفتالي بينيت عندما يطلق ثلاثية رؤيته للتعامل مع قطاع غزة، حيث ما زال بينيت يعيش وهم الحد من قدرة المقاومة وتحقيق الهدوء وإعادة جنوده الأسرى دون دفع الثمن، بينيت ينتمي للحكومة الصهيونية منذ خمسة عشر عامًا على الأقل، وذلك منذ أن كان مديرًا لمكتب نتنياهو ثم وزيرًا في الحكومة الصهيونية ثم رئيسًا لها، وقد عاصر خلال هذه الفترة عدة وزراء دفاع ورؤساء أركان وعايش الحروب الأربعة التي شنها جيشه على قطاع غزة، وهو يدرك جيدًا أن كل هذه الحروب باءت بالفشل ولم تحقق أي من أهدافها التي كانت هي نفس ثلاثية نفتالي، وفي كل مرة كانت تخرج المقاومة من بعد كل حرب أقوى عدة وعتادًا وعزيمة، ولذلك أصبحت عبارة "غزة ليس لها حل" تتردد على ألسنة كبار قادة الجيش والاستخبارات الصهيونية، إذًا لدينا قيادتان يعيشان الوهم ولا تبارحه إلى الواقع، ولذلك طالما بقيت هاتان القيادتان تعيشان الوهم ستبقى دائرة النار مشتعلة.
فهل يمكن أن يتبدد هذا الوهم؟ الجواب طبعًا هو لا لأن القيادتين فاقدتان لأي مشروع سياسي، وبالتالي ستزداد حالة الوهم استفحالًا لديهما، الأمر الذي سيسفر لا شك عن تفاعل الأحداث لتنتج واقعًا جديدًا تفرضه الوقائع على الأرض.
تفاعل الأحداث بدأ في الضفة الغربية بإرهاصات هبة شعبية تلقائية يبدو أنها ستكون ضد الاحتلال والسلطة التي وضعت نفسها حائط صد لمصلحة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني مما رفع وتيرة الشعور بالنقمة الشديدة عليها، خصوصًا مع العربدة الشديدة للاحتلال ومستوطنيه وإحجام الأجهزة الأمنية عن تحريك أي ساكن في هذا السياق، ومماسة القمع الشديد ضد أي شكل من أشكال رفض الظلم الذي يحاول شبان الضفة ممارسته حتى لو كان استقبال أسير محرر.
الأمر شديد الخطورة هو اعتقاد قيادة السلطة بأن أي انتفاضة في الضفة تعني اسقاطها، وتمارس نوع من الترهيب في هذه الأمر لأنصار حركة فتح بإبراز نموذج وأحداث عام 2007، ولذلك نرى بعضًا من تلكؤ لدي أنصار فتح عند المشاركة في أي عمل مقاوم حتى الآن، ولكن يبدو أن هناك تململًا لم تعد السلطة قادرة على خنقه.
ربما لم تدرك قيادة السلطة بعد أن التردي في المشهد السياسي الفلسطيني والهوان الشديد الذي تعانيه سواء من طرف الاحتلال أو من طرف الإقليم والمجتمع الدولي سببه ضعف داخلي أساسه الانقسام الفلسطيني الذي فشلت تلك القيادة في اللحظة في احتوائه أو التغلب عليه، ما أورثها ضعفًا داخليًا وخارجيًا أدى إلى تردي المشهد السياسي إلى هذا الحد من السوء والذي ينذر بانتفاضة في الضفة ليست ضد الاحتلال وحده، وكذلك لم تدرك قيادة الاحتلال بعد أن المقاومة لن تسمح لبينت بممارسة اللهو الطفولي أكثر من ذلك بالتسويف والمماطلة في دفع استحقاقات سيف القدس الأمر الذي قد يؤدي الي اشتعال جبهة غزة مرة أخرى، ولذلك تقف فلسطين على أعتاب حرب في غزة وانتفاضة في الضفة قد تشمل باقي فلسطين التاريخية في ظل حالة الوهم التي ما زالت تعيشها قيادة الاحتلال وقيادة السلطة.
ولذلك أقترح على قيادة السلطة للخروج من حالة الوهم أن تتعجل في اتخاذ جملة من القرارات التي من شأنها وحدها أن تسكن الوضع الداخلي وتوقف تردي الوضع السياسي والإقليمي والذي أصبح ضرورة ملحة وهي:
القرار الأول: يجب إقالة حكومة اشتية وتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية على وجه السرعة دون اشتراطات تذكر، لأن استمرار هذه الحكومة بهذا الأداء الكارثي يسرع من الوصول للهاوية.
والقرار الثاني: الدعوة إلى انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني لإعادة الشرعية للمؤسسات السيادية الفلسطينية التي أمست في أضعف حالاتها.
القرار الثالث: اتخاذ قرار وطني يتجاوز مرحلة أسلو والعمل وفق برنامج وطني متفق عليه.
هذه القرارات ليس لديها كثير وقت لتتخذ فهذا هو وقتها وإذا لم تتخذ خلال هذه الفترة ستصبح بلا قيمة بعد فترة وجيزة حيث ستكون قد تجاوزنها الأحداث.