فلسطين أون لاين

تقرير في رحلة انتظار الحرية.. الأسير "عيسى" يفقد والدته قبل "قرع الباب"

...
صورة أرشيفية
القدس المحتلة- غزة/ يحيى اليعقوبي:

انتظرته ثلاثة عقود، تجرعت خلالها مرارة الشوق واللهفة لاحتضان ابنها الأسير محمود عيسى، الذي لم تعانقه إلا دقائق معدودة لحظة التقاط صورة تذكارية في سجون الاحتلال الإسرائيلي، مرة كل خمس سنوات، تسترق فيها لحظاتٍ طال انتظارها لضم أصغر أبنائها.

على أمل لقاء خارج قضبان الاحتلال، ظلت المسنة عائشة عيسى (85 عامًا) تحلم أن يتحقق، لم يكن هذا الحلم لعام أو خمسة، بل فترة طويلة امتدت لـ29 عاما، تحملت خلالها مرارة طول المسافة في كل يوم تخرج فيه من بلدة عناتا شمال شرق القدس المحتلة لزيارة ابنها في سجن "بئر السبع" منهكة إثر تقدمها في العمر.

الأسير عيسى الذي أمضى ربيع عمره داخل سجون الاحتلال، توفي والده وهو لا يزال يرقب الحرية، ثم بات يتمنى أن يتحرر من مؤبداته الثلاثة و46 عامًا، لعناق والدته، عل ذلك يخفف عنه ثقل السنوات التي سرقت زهرة شبابه، لكنها توفيت أول من أمس بعد معاناتها مع المرض قبل أن تتحقق أمنيتها الوحيدة برؤيته.

الزيارة الأخيرة

قبل عام تحدت المرض، وذهبت لزيارة ابنها الأسير، يروي ابنها عيسى تفاصيل الزيارة الأخيرة في حديث لصحيفة "فلسطين"، أن الزيارة كانت بتنسيق اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي وفرت سيارة إسعاف لإيصالها.

معاناة ومرض والدة الأسير، لم تشفع لها عند الاحتلال للسماح لها باحتضانه للمرة الأخيرة "لم نحصل يومها على أي امتياز ومراعاة كونها مريضة، فاصطفت على طابور الانتظار حتى جاء موعد زيارتها، وقد تحدثت أمي مع محمود من خلف العازل الزجاجي، وكانت بالكاد تستطيع التحدث، فاطمأنت عليه وتمنت أن تتكحل عيناها برؤيته حرا".

يعلق عيسى، بعدما ألقى السلام على روح والدته، على سلوك الاحتلال في التعامل مع أمه المريضة حينها بقوله: إنه احتلال غير أخلاقي، فلم يحترم مرضها، وتركها عدة ساعات على السرير الطبي بسيارات الإسعاف في ساحة السجن الخارجية، رغم قطعها مسافة طويلة للوصول إلى السجن، ثم رفض طلبه باحتضانها.

وأضاف "هؤلاء ليس لديهم ذرة إنسانية، وهو ما أثبتوه ورأيته في تعاملهم مع أمي المريضة كما يفعلون مع باقي الأسرى".

حتى ضعف ذاكرتها في سنواتها الأخيرة لم ينسها ابنها الذي تضع صورته بجانب وسادتها وأعلى سريرها وعلى جدران غرفتها الأربع، ليظل قلبها ينبض باسمه، حتى آخر أيامها ظلت متلهفة لاحتضانه.

ومر الأسير محمود بلحظات فارقة خلال سنيّ اعتقاله، أبرزها حينما اتهمه الاحتلال بحفر نفق في سجن "عسقلان"، فعزله في زنازين انفرادية لمدة 13 عامًا لم يرَ فيها وجه أمه وضوء الشمس.

انتصار جديد

لكن فترة العزل كانت محطة فارقة، صنع فيها انتصارًا جديدًا على الاحتلال، ليجعل المحنة منحةً، حيث اختلى فيها بنفسه، فحفظ القرآن الكريم، وأنتج مجموعة من الكتب كان أبرزها "حكاية صابر"، "المقاومة بين النظرية والتطبيق"، "تأملات قرآنية" "السياسية بين الواقعية والشرعية".

وإلى جانب رحلته النضالية الطويلة، عمل عيسى في الكتابة الصحفية، فقد عمل في "صوت الحرية والحق" التي كانت تصدر في الأراضي المحتلة عام 1948، وفقا لنادي الأسير.

وكانت صفقة "وفاء الأحرار" فرصةً لتحقيق أمنيته ووالدته، لكن الاحتلال رفض الإفراج عنه.

"تكتبوش اسمي بأي صفقة جاية إذا كانت إمي متوفية".. عبارة تداولها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن شقيقه عيسى نفى صحتها، مضيفا أنه رغم مرارة الفقد وصعوبته وقسوته على إنسان تعلق بأمه تعلقًا شديدًا إلا أنه كباقي الأسرى سيصمد أمام الفقد كما صمد أمام سنوات السجن بانتظار الحرية.

وعندما اعتقل الأسير محمود لم يكن عمره يتجاوز 25 عامًا، لكنه الآن انضم لقائمة عمداء الحركة الأسيرة والأسرى القدامى المعتقلين قبل توقيع اتفاق "أوسلو" بين منظمة التحرير.