قائمة الموقع

المحرر العارف.. 19 عامًا في الأسر حملت محطات من الإنجاز والألم

2021-12-22T08:15:00+02:00
الأسير المحرر محمد العارف

 

السجن محنة بيد الأسير تحويلها إلى منحة، يصقل فيها شخصيته ويستزيد بها من مختلف العلوم فقد حوله الأسرى الفلسطينيون بإرادتهم الحديدية إلى جامعة يُفيدون بها بعضهم بعضًا، وقد كان لي نصيبٌ بالنهل من تلك العلوم التي سترسم مسار حياتي بعد تسعة عشر عامًا قضيتها بين القضبان"، يقول الأسير المحرر محمد العارف لـ"فلسطين".

يعود العارف بالذاكرة للعام الثاني والعشرين من عمره حينما بدأت مطاردة الاحتلال الإسرائيلي له على إثر كونه يتجهز ليكون "استشهاديًا"، مبينًا أنه في فترة المطاردة تضيق الدنيا بالمُطارد، فيُضطر للمبيت في العراء والجبال، "خاصة أن مطاردتي جاءت في ذروة انتفاضة الأقصى وكانت تشهد إجراءات "قاسية" للاحتلال ضد مَنْ يؤوي أي مطارد".

وشملت تضييقات الاحتلال اعتداءات متكررة على الأهل واقتحامات للمنزل وتخريب محتوياته للضغط عليهم لـ"تسليمي"، لكنهم صمدوا في وجه تلك الضغوط، إلى أن حوصرتُ ورفيقي الشهيد طارق عبد ربه من قبل قوات الاحتلال الخاصة الإسرائيلية برفقة طيران مكثف لقرابة ثلاث ساعات ونصف في المنزل الذي كنا نتحصن به تخلله إطلاق نار عشوائي.

ومن ثمَ تمكنت قوات الاحتلال من اعتقال العارف في حين أدى إطلاق النار العشوائي لاستشهاد طارق، "لكنني لم أعرف باستشهاده سوى بعد عدة أيام" حين أخبر الاحتلال شقيقه الذي كان معتقلًا مع العارف بخبر استشهاده، "كان المحققون الإسرائيليون يأتون لي بمعلومات على أنها حقائق انتزعوها من طارق في أثناء التحقيق معه للضغط علي للإدلاء باعترافات".

الصدمة الكبرى

كانت الصدمة الكبرى التي تعرض لها العارف، تلقيه خبر استشهاد صديقه الذي عايشه لسنوات وتشاركا معاناة "المطاردة" وكان آخر مَنْ التقى به، مبينًا أن اعتقاله كان ضمن حملة اعتقالات في طولكرم شملت عباس السيد ومؤمن شريم وفتحي الخطيب ومعمر الشحروري بعد إلقاء الاحتلال القبض على استشهادي قبيل تنفيذه مهمته.

وبعد إيقاع الحكم العالي "19 عامًا" بحق العارف بدأت حياة جديدة لديه، "لم يكن من السهل أبدًا تقبل الحكم، لكنني كنت أعرف أن طريق المقاومة نهايتها إما شهادة أو اعتقال وأن الاحتلال كان يبالغ في الأحكام في تلك الفترة التي تشهد ذروة العمليات الاستشهادية والفدائية من قبل كل الفصائل، فاحتسبت الأمر لله ولي الفخر بأنني سجنتُ لأجل قضية وطنية شريفة، وقررتُ تحويل محنة السجن لمنحة".

انطلق العارف في حياة جديدة وكان يضع نصب عينيه أنه إذا لم يشغل نفسه بما يفيدها بما يخفف على نفسه وطأة الاعتقال فإن الأيام ستمضي ثقالًا، فكان من أوائل الأسرى الذين حصلوا على شهادة البكالوريوس في التاريخ من جامعة الأقصى في غزة، بجانب إنهائه لدراسته في جامعة القدس المفتوحة التي كان يدرس فيها قبيل الأسر في تخصص "المحاسبة".

فقد حول الأسرى الفلسطينيون بإرادتهم -وفق العارف- السجن لـ"جامعة" فكان الأسرى المتعلمون يجودون بما تعلموا على الأسرى الآخرين، ويعطونهم دورات في كل التخصصات التي يجيدونها،" فكثيرٌ من الأسرى حفظوا القرآن، وأتقنوا مهارات التلاوة والتجويد، فالأسير عندما يعد الأيام فإن السجن يطول لكن إذا ما استثمرها بما ينفعه فإنها تمضي بشكل أسرع".

همجية الاحتلال

ورغم ذلك فإن "السجن" ليس طريقًا مفروشًا بالورود في ظل احتلال ظالم لا يترك فرصة للتنكيل بالأسرى إلا واستثمرها، بجانب انتهاكاته اليومية لحقوقهم، فهو يقوم بقمعهم جماعيًّا من حينٍ لآخر، لكن أكثر حملة قمع علقت في ذاكرة العارف كانت في سجن النقب عام 2019م.

يقول العارف عن تلك اللحظات: "ابتدأ التوتر بوضع مصلحة سجون الاحتلال لأجهزة تشويش في السجون، ومن ثم قيام الأسير إسلام وشاحي بطعن سجانيْن في "سجن النقب"، فاقتحمت قوات الاحتلال بقوات معززة "قسم 3" في السجن وقمعته بصورة وحشية".

وكانت تلك المرة الأولى التي يتم نقل جرحى من الأسرى عبر الطائرات للمستشفيات لصعوبة ما جرى في السجن، حيث أطلق جنود الاحتلال الرصاص بشكل عشوائي في القسم، وأصيب معظم الأسرى بالرصاص فيما لم يسلم الآخرون من إصابات وكسور، حتى أصبحت الأرض "بركة من الدماء".

ورغم كل محاولات إشغال أنفسهم فإن "هم البعد عن الأهل" في كثير من اللحظات المهمة العائلية وقلق الأسير من أنْ يخرج من السجون ويجد والديْه تحت التراب يؤرق الأسرى كثيرًا، "أعتبر نفسي محظوظًا بأنني قد خرجتُ ووجدتُ والديْ على قيد الحياة واستطعتُ احتضناهما مجددًا".

"مكانة الأسير اختلفت"

وما آلم قلوب الأسرى الانقسام الفلسطيني، "فقد كان العمل المقاوم في أروع حالاته في "انتفاضة الأقصى"، وكنا كرفاق في المقاومة من جميع الفصائل ننام في الجبال والبيوت مع بعضنا بعضًا ونحن مطاردون ونتواصل معًا ونحذر بعضنا بعضًا من أي اقتحامات للعدو، "رغم صعوبة الانقسام لكننا تجاوزناه في علاقاتنا الداخلية في الأسر وما زلنا نضرب مثالًا رائعًا في الوحدة الوطنية".

ويستدرك العارف: "لكنني لم أتخيل أن أخرج من السجن بعد 19 عامًا فأُقابل بغاز مسيل للدموع من قبل أمن السلطة لرفع المستقبلين الرايات الخضراء، كنتُ اعتقد أن للأسير مكانة مختلفة بغض النظر عن انتمائه التنظيمي لقاء ما قدمه من تضحيات".

وإذ يؤكد العارف أن الحل للوضع الفلسطيني هو تطبيق تجربة الأسرى على المجتمع الفلسطيني الذين يحملون الهم الوطني فعلًا، "فنحن هناك نحمل همًا واحدًا في وجه سجان واحد، فقد كان في وداعي رفاقي من كل الفصائل".

ويبين أن قلوب الأسرى معلقة بـ"صفقة تبادل" جديدة تنهي معاناة الأسرى خاصة القدامي والمرضى وأصحاب المحكوميات العالية، "فقد أدخلت لحظة الإعلان عن أسر "كتائب القسام" لعدد من جنود الاحتلال حالة من البهجة العارمة وما زال الترقب في أوجه رغم مرور سبع سنوات على تلك الحادثة على أمل الوصول للحظة الإفراج".

اخبار ذات صلة