عند (إسرائيل) لم تتغير صورة المقاومة وإنما تعتقد (إسرائيل) أن هذه المقاومة هي العائق الوحيد لمشروعها بعد أن هزمت الجيوش العربية طوال العقود الماضية واستأنست النظم العربية بمساعدة واشنطن.
ولا شك أن (إسرائيل) تعتبر المقاومة هي الشغل الشاغل لها تخطط لإزالتها واغتيال قياداتها، وتدرك (إسرائيل) أن إيران هي الخطر الأكبر وهي الممول والداعم عسكريًّا للوقوف ضد (إسرائيل)، وتعتبر إيران أن هذه المقاومة هي أداة فعالة لردع (إسرائيل) والرد عليها إذا فكرت في مهاجمة إيران.
كما أن إيران ترى في المقاومة أداة فعالة في التنافس مع المشروع الصهيوني على العالم العربي، ولذلك تسعى (إسرائيل) إلى إخراج إيران من موازين القوى الإقليمية سياسيًّا وعسكريًّا لأن إيران أعلنت العصيان على بيت الطاعة الأمريكي وأصبحت فتنة للضحايا العرب، ثم إن هؤلاء الضحايا فقدوا الإحساس بالكرامة والوطنية من الناحية الجينية فأمنت أمريكا و(إسرائيل) عودة النخوة العربية والفضائل العربية ما داموا يحرصون على عروشهم ونظمهم أكثر من حرصهم على أوطانهم.
ولذلك يمكن معالجة هذا الموضوع في ثلاث نقاط.
ـ الأولى: هي موقف الحكام العرب الذين يميلون إلى (إسرائيل) أكثر من الفلسطينيين بل إنهم يتآمرون ويتواطؤون عليهم.
ـ الثانية: هي موقف الشعوب العربية:
لا شك أن الشعوب العربية كانت تردع الحكام العرب الذين يتهمون بالميل نحو (إسرائيل) في ستينيات القرن الماضي بفضل الشعارات القومية الملتهبة التي كان التيار القومي يحارب بها (إسرائيل). وأظن أن (إسرائيل) كانت سعيدة بهذه الشعارات.
وعبّر نزار قباني عن هذه الحقيقة في قصيدته الشهيرة عام 1967، "هوامش على دفتر النكسة"، عندما وصف العرب بأنهم يقاتلون (إسرائيل) بالهتافات والشعارات التي ما قتلت ذبابة وأنهم كانوا يصدحون بأهازيج النصر وأراضيهم محتلة.
ولا يزال زعماء منهم يعتبرون الوطنية هي المحافظة على الزعيم رغم ضياع الوطن، فلم يتورع هيكل عن أن يفخر بأن (إسرائيل) احتلت الوطن ولكن الزعيم خالد فخسرت (إسرائيل) الحرب ونحن الذين كسبناها، علما بأن هيكل رأى بنفسه مأساة 1967، التي احتلت (إسرائيل) فيها كل فلسطين والجولان وسيناء، والأهم أنها كشفت زيف الشعارات القومية والنظم التي كانت تدعي الوطنية.
وبهزيمة 1967 كانت المقاومة في مقدمة اهتمامات الشعوب العربية وربما اعتبرتها النظم المهزومة بديلًا عن الجيوش المسحوقة.
ولذلك كان طبيعيًّا أن تواجه المقاومة الفلسطينية في سوريا ولبنان والأردن عقبات جمة، ثم أقدمت (إسرائيل) على غزو لبنان 1982 وسعت إلى إنهاء المقاومة الفلسطينية ولكن قيّض للقضية إنشاء حزب الله بدعم من ثورة إيران لكي ينضم إلى روح المقاومة الفلسطينية التي خبت برحيل المقاومة من لبنان إلى تونس، ولكن أطفال الحجارة في فلسطين خلال الانتفاضة الأولى تمكنوا عام 1987 من إنشاء حركة حماس فأصبح للمقاومة ضد (إسرائيل) جناحان جناح لبناني شيعي وجناح فلسطيني سني، وحلت إيران في دعم المقاومة بجناحيها محل انصراف مصر والعرب إلى بيت الطاعة الأمريكي فتشكل في منطقة معسكران، معسكر المقاومة التي تضم إيران وسوريا وحزب الله والمقاومة الفلسطينية مقابل المعسكر العربي الذي تقوده (إسرائيل) الذي عمد إلى محاربة المقاومة بالتعاون مع النظم العربية انتهى الأمر بتأثر شريحة من الرأي العام العربي بثلاثة عوامل سلبية ضد المقاومة.
العامل الأول: هو الصراع الإيراني الأمريكي الإسرائيلي ومن خلفه الذيول العربية التي لا يمكن وصفها بأنها أطراف حقيقية وإنما تأتمر بأمر (إسرائيل) وأمريكا.
وقد تأثرت الشعوب العربية في بعض قطاعاتها المرتبطة بالحكام فقرر الحكام العرب تجريم المقاومة واعتبارها منظمات إرهابية، وهي عين ما تريده (إسرائيل) وهو حرمان المقاومة من الحاضنة العربية وقد انعكس أثر ذلك في سلوك بعض السفهاء الذين حرضوا الشعوب على المقاومة وأيدوا التطبيع مع (إسرائيل)، ولكن أغلبية الشعوب العربية لا تزال تكره (إسرائيل) ولا تكن لها وُدًّا بصرف النظر عن مشاعرهم اتجاه الفلسطينيين.
العامل الثاني: هو إعلام النظم العربية.
العامل الثالث هو إصرار واشنطن والغرب على مساندة المشروع الصهيوني وإنهاء المقاومة.
الثالثة هو الجهد الإسرائيلي والصهيوني ضد إيران والمقاومة خاصة بعد أن أصبحت توصية (إسرائيل) للحكام العرب تذكرة المرور إلى واشنطن.
وحقًا أصبحت (إسرائيل) هي اللاعب الأساسي في المنطقة وأصبح عداء الشعوب العربية لأمريكا و(إسرائيل) والحكام مزيجًا مركبًا يغذي اتجاهات الرفض في كل ما يؤدي إلى ضياع الأقصى وفلسطين لصالح السرطان الصهيوني.