فلسطين أون لاين

تسلمت أمرًا إسرائيليًّا بإخلاء منزلها في "الشيخ جراح"

فاطمة سالم.. حكاية مقدسية تتشبث بمنزلٍ رافق كل مراحلها العمرية

...
فاطمة سالم تعرض قرار الإخلاء المجحف
القدس المحتلة–غزة/ يحيى اليعقوبي:

نائب رئيس بلدية الاحتلال في القدس المحتلة "أرييه كينج"، وعضو مجلسها المتطرف يونتان يوسف (حفيد الحاخام عوفاديا يوسف)، طرقا باب منزل المسنة المقدسية فاطمة سالم، وسلماها قرار الإخلاء.

هدد "كينج" و"عوفاديا": "معك حتى نهاية ديسمبر، وإذا ما طلعتي حنطلعك بالقوة"، الحاجة التي عاشت في المنزل كل مراحلها العمرية، تنظرُ للأمر كمن ينتزع روحًا منها، فأعلنتْ له رفضها وتحديها للقرار "ايش بتقدر تعمل اعمل.. احنا قاعدين بأرضنا"، معلقة الآمال على الالتفاف الشعبي والوطني حول قضيتها للتصدي للخطر المحدق بها.

فاطمة سالم التي ولدت في حي الشيخ جراح عام 1952م، ولشدة تعلقها بمنزلها الذي ترعرعت فيه منذ طفولتها، اشترطت على زوجها العيش معها في منزل والديها لتكون قريبةً منهما، وحتى لا تعيش الغربة خارج البيت الذي تسلمت قبل أيام أمرًا من الاحتلال الإسرائيلي بإخلائه لصالح المستوطنين.

بعد أمر الإخلاء، انطلق قطعان المستوطنين كقطيع الضباع، يشنون هجومًا تلو الآخر، محاولين دفع فاطمة وعائلات أولادها الثلاثة لمغادرة المنزل، "قبل يومين حاول نحو 25 مستوطنًا مسلحًا قطع شجر الزيتون، ووضع سياج على أرضنا المجاورة للبيت والبالغة مساحتها 150 مترًا مربعًا، ثم ألقوا قنبلة صوتية داخل المنزل أرعبت أطفالنا ودفعوا والدتي وأسقطوها أرضًا".

"نعيش على أعصابنا لا ننام الليل أو كمن يفتح عينًا ويغمض الأخرى لخشيتنا من هجمات المستوطنين"، يروي ابنها إبراهيم سالم تفاصيل ما جرى لصحيفة "فلسطين".

المسنة التي يقارب عمرها سبعين عامًا، متجذرة في المنزل ومرتبطة في كل ركنٍ فيه، تعلق على جدرانه صور آبائها وأحفاده، يتوارثون الانتماء وهذا التجذر والارتباط الذي تغرسه في قلوبهم وتسلمهم مفاتيحه، تمامًا كما غرست أشجار البرتقال والرمان والزيتون والكرز والتين والتفاح والعنب في أرضها، تعيش "في جنة صغيرة" وضعها الاحتلال على مجهر التهجير، ولا تتخيل أن تتركه في يومٍ من الأيام وتعيش بعيدة عنه.

رحل زوجها ووالداها، وبقيت ذكرياتهم، إذ علقت الحاجة فاطمة صورهم على جدران منزلها، وها هي تواجه المستوطنين والقضاء الإسرائيلي العنصري الذي يحاول قلب الحقائق لصالح المستوطنين، رغم أن والدها استأجر البيت عام 1948، بعدما قرر الاستقرار في القدس قادمًا من قرية ترمسعيا (إحدى قرى محافظة رام الله وسط الضفة الغربية)، وبدأ في دفع الإيجارات لدائرة حارس أملاك العدو التابعة للحكومة الأردنية.

ومنذ عام 1988م وخلال أكثر من 70 جلسة في المحاكمة الإسرائيلية صمدت عائلات الشيخ جراح ومن ضمنها عائلة سالم أمام كل محاولات الالتفاف على حقوقها

ويحاول الاحتلال تهجير العائلة وعشرات العائلات الفلسطينية التي تسكن في حي الشيخ جراح وذلك لإخلاء المناطق القريبة من المسجد الأقصى تمهيدًا لمحاولة السيطرة عليه، وهو ما يدركه إبراهيم: "صحيح سلمونا أمر الإخلاء، لكننا نرفض تطبيقه لأنَّ وجودنا في المنزل عقيدة، ونحن أصحاب الحق والأرض وكلنا أمل أن يقف معنا أبناء شعبنا".

لا يغادر إبراهيم منزله، يراقب أي تحركات غريبة في المنطقة، ويلتف حوله الجيران، يدركون أن منزل عائلة سالم هو حلقة في سلسلة مترابطة يحاول الاحتلال تفكيكها لتسهيل عملية التهجير، وهو ما يضع سكان "الشيخ جراح" ومن خلفهم أهالي القدس والشعب الفلسطيني أمام تحدٍ جديد لمواجهة سياسة خطيرة يفرضها الاحتلال بهدوء للاستفراد بكل عائلة على حدة.

منذ عشر سنوات، يعيش إبراهيم وعائلته، حياةً لا تخلو من هجمات قطعان المستوطنين المستمرة، واستفزازاتهم اليومية، وتنغيص حياتهم بالأصوات الصاخبة، والصلوات التلمودية ورفع أعلام دولة الاحتلال وشتائم، يتجمعون بمنزل قبالة بيت عائلة سالم استولوا عليه من سيدة فلسطينية وحيدة بعد وفاتها آنذاك.

ويقول بقوة وعزيمة استمدها من والدته: "سنرفض القرار وسنظل صامدين حتى آخر نفس"، نابشًا في أصل الحكاية بأن "القضاء الإسرائيلي ورغم امتلاكنا عقد إيجار من الأردن يثبت أن الأرض لنا وكذلك هي وقف إسلامي، فإنهم لا يعترفون بكل ذلك، وبأي ثمن يريدون تهجيرنا".