صادف اليوم الجمعة (17 كانون أول/ ديسمبر) الذكرى الـ 29 لقيام الاحتلال الإسرائيلي بإبعاد 415 من أنصار وقيادات حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" إلى "مرج الزهور" جنوب لبنان.
وأقدمت قوات الاحتلال على إعداد قائمة بأسماء المبعدين؛ قبل أن تعتقلهم وترسلهم بشاحنات إلى مرج الزهور، عقب أسر "كتائب القسام" (الذراع العسكري لحركة حماس) في 13 ديسمبر 1992، الجندي الإسرائيلي نسيم طوليدانو وقتله، بعد رفض الاحتلال الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين (مؤسس حماس والذي استشهد في 22 آذار/ مارس 2004) وعدد من قادة الحركة.
أمضى المبعدون في مرج الزهور أكثر من عام على الحدود اللبنانية- الفلسطينية؛ قبل أن تُجبر سلطات الاحتلال على إعادتهم إلى أرض فلسطين بعد رفضهم الدخول إلى الأراضي اللبنانية.
وكانت حكومة تل أبيب برئاسة اسحق رابين (اغتيل في 4 تشرين ثاني/ نوفمبر 1995)، تستهدف "قتل" الروح الثورية في أوساط الشعب الفلسطيني وإنهاء الانتفاضة الأولى (اندلعت في 8 كانون أول 1987 واستمرت حتى 1994) من خلال إبعاد المئات من قادة حماس والجهاد خارج فلسطين المحتلة.
لم يكن يعلم المعبدون أن حملة الاعتقالات التي طالت هذا العدد الكبير من القيادات؛ أطباء ومهندسين وأكاديميين وإعلاميين، هي عملية إبعاد جماعي لهم، حيث تم تجميعهم في حافلات وتكبيل أيديهم وتعصيب أعينهم وسارت بهم الحافلات لأكثر من 15 ساعة قبل أن يجدوا أنفسهم في منطقة جبلية وعرة جنوب لبنان تسمى "وادي العقارب".
أدركوا حين وصولهم إلى تلك المنطقة أن هذه عملية إبعاد جماعية لهم الهدف منها التخلص منهم، في مخالفة واضحة لاتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب المعقودة في 12 آب/ أغسطس 1949، ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والحقوق القومية غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وكذلك قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
رفض المبعدون مغادرة المكان الذي نزلوا فيه وأنشأوا مخيمًا لهم في تلك المنطقة وأطلقوا عليه اسم "مخيم مرج الزهور"، وذلك على الرغم من الأجواء الثلجية الباردة، أسسوا فيه جامعة "ابن تيمية".
شكل المبعدون قيادة لهم لتدير شؤونهم على أساس أنهم سيعودون مهما طال بهم الزمن في هذا المخيم، وتم اختيار عبد العزيز الرنتيسي القيادي في حركة "حماس" ناطقًا رسميًا باسمهم، ونظموا حياتهم بشكل كبير.
تحول مخيم "مرج الزهور" إلى قبلة لكل وسائل الإعلام والمتعاطفين مع القضية الفلسطينية وكان هذا المخيم بوابة لتوطيد العلاقات الفلسطينية- اللبنانية، حيث تم تقديم لهم المساعدات؛ الحكومية أو غير الحكومية، وقام عدد من الشخصيات بزيارة المخيم.
استفادت حركة "حماس" بشكل كبير من هذه الحالة، لا سيما في ترتيب الوضع التنظيمي لهم باجتماع قيادات غزة والضفة، وكذلك الزيارات التي كانت تتم لهم من قيادات في الخارج والانفتاح الذي تم بينهم.
وأصبح هذا الموضوع يؤرق الدولة العبرية وشعرت أنها أصبحت في ورطة كبيرة مع بقاء المبعدين في "مرج الزهور"، لا سيما بعد إثارة الرأي العام العالمي ضدهم وصمود المبعدين في المخيم.
نظم المعبدون عدة مسيرات؛ أبرزها مسيرة الأكفان حيث لبسوا الثياب البيضاء وساروا تجاه الحدود مع فلسطين المحتلة عام 1948، وقابلتهم قوات الاحتلال بإطلاق قنابل الغاز عليهم وذلك في ظل وجود وسائل الإعلام مما شكل حالة ضغط إضافية على الدولة العبرية لإعادتهم.
هذه الحالة دفعت الوفد الفلسطيني والعربي الذي انبثق عن مؤتمر مدريد للسلام للانسحاب من المفاوضات ومقاطعة الأطراف العربية تلك المفاوضات.
وأمام هذا المأزق للاحتلال وبعد إقناع (إسرائيل) بوجوب إعادة المبعدين على مراحل دعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى استئناف المفاوضات في واشنطن، لكن الفلسطينيين اشترطوا ذلك بتخلي (إسرائيل) رسميًا عن تدابير الإبعاد، مما دعا رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي آنذاك إسحق رابين إلى الإيعاز بعودة المبعدين على مراحل.
لم يعد المبعدون إلى منازلهم، بل اعتقل العشرات منهم ليمضوا بقية الحكم الذي كان قد صدر بحقه سابقًا أو حكمًا جديدًا، في حين أن عددًا قليل من المبعدين قرر عدم العودة خشية اعتقاله لسنوات طويلة في سجون الاحتلال.
واعتبر المراقبون أن مرحلة "مرج الزهور" شكلت محطة هامة في تاريخ الحركة الإسلامية واستفادت منها بشكل كبير، سواء على المستوى العام أو الخاص، فأغلقت باب الإبعاد وإلى الأبد ورتبت أمورها التنظيمية بشكل أكبر وأعطت صورة جديدة عن القضية الفلسطينية وأعطها وأعطت الانتفاضة زخم أكبر.