في الخامس من أكتوبر في كل عام، يحتفلون بيوم المعلم، بتوصية من منظمة اليونسكو، ومنظمة العمل الدولية، ولا بأس في تذكير المجتمعات بفضل المعلم، وتخصيص يوم لهذه المناسبة، تلقى فيه الكلمات، وتقام الاحتفالات.
ولا يختلف اثنان على أن المعلم رسول المعرفة والتربية والأخلاق، وهو النموذج الذي يحاكيه الطالب بانضباطه وثقته بنفسه، وسعة معرفته وقوة شخصيته، صفات تفرض نفسها على المعلم والمعلمة، وتستحث العاملين في حقل التعليم أن يرتقوا بأنفسهم، قبل أن يطالبوا بحقوقهم من المجتمع، الذي سيرتقي في تبجيلهم بمقدار ما يبجلون هم أنفسهم.
في بلاد العرب بوجه عام لا مكانة مرموقة للمعلم، ولا تقدير لمجهوداته، وتأتي مهنة معلم في ذيل قائمة المهن، وهذه أحسن وصفة لمن أراد تدمير المجتمعات العربية، فبناء الإنسان يبدأ من المدرسة، ومن حقل التعليم، لذا تتبعت رواتب بعض المعلمين والمعلمات في بلاد العرب، فاكتشفت أن أدنى الرواتب على مستوى العالم يتقاضاها المعلم العربي، حتى أن متوسط راتب المعلم في اليمن قد يصل إلى 40 دولارًا شهريًّا، إنه مبلغ لا يفي باحتياجات العائلة، ولا يؤسس للمستقبل، وهذا ما نلاحظه على رواتب المعلم في مصر، إذ يبلغ متوسط راتب المعلم 1500 جنيه مصري، ما يعادل 300 شيكل إسرائيلي، وهي أقل من مئة دولار أمريكي، أما في العراق فإن متوسط راتب المعلم قد يصل إلى 500 دولار شهرياً، وهو مبلغ قريب من متوسط راتب المعلم في غزة المحاصرة والضفة الغربية، ولعل راتب المعلم في تونس هو الاستثناء، إذ يصل إلى 2800 دينار تونسي، ما يعادل ألف دولار أمريكي تقريباً، وكذلك في المغرب، حيث يصل متوسط راتب المعلم إلى 13 ألف درهم، ما يعادل 1400 دولار أمريكي، وكذلك في الجزائر، حيث يصل متوسط راتب المعلم إلى 180 ألف دينار جزائري في الشهر، ما يعادل 1300 دولار أمريكي.
إهمال المعلم في معظم بلاد العرب التفت إليه بقية دول العالم التي تحترم مستقبلها، وتؤسس لجيل قادر على مواكبة العلم والتطور، ففي ألمانيا على سبيل المثال، يصل راتب المعلم إلى 5 آلاف دولار شهرياً، على حين يصل متوسط راتب المعلم في (إسرائيل) إلى 10 آلاف شيكل، ما يعادل 3 آلاف دولار، ويصل راتب المعلم في اليابان إلى 3 آلاف دولار شهرياً، خلافاً لمنافع الرفاهية، مثل المصاريف الطبية، مصاريف ولادة طفل، منحة مواجهة الكوارث.
في مقالي هذا أطالب بتحسين أجور المعلمين بشكل خاص، أسوة ببقية البلاد الراقية والمتحضرة، وهذا حقهم، وإنما نطالب بإنصاف المعلم في التعامل والتقدير والتبجيل الذي يستحقه، فبالقدر الذي نرفع فيه من شأن المعلم، فإننا نرفع من شأن الأجيال، ونبني مستقبلاً أكثر إشراقاً من حاضرنا.
قبل دخولي السجن، قدم لي طلابي في مدرسة دير البلح الإعدادية بعض ثمار البلح، ولكنني رفضت، فلم أكن أرغب أن يراني طلابي وأنا أمضغ أمامهم حبة البلح، فأنا أستاذهم، ولن أسمح للطالب أن يراني إلا في نقاوة الملائكة، وطهر الأولياء، وما كان للطالب أن يحترم دروسي وتوجيهاتي دون هذه الهيبة، فاقتناع الطالب بالمدرس شرط لاقتناعه بأهمية المادة التي يتعلمها، كنت مقتنعاً أن المدرس قدوة الطالب بشكله وحديثه وملبسه، وقد التزمت هذا النموذج النقي من الشوائب بعد ذلك لمدة عشر سنوات في غرف السجن، كنت أستيقظ فجراً قبل الجميع، حتى لا أزاحم السجناء على الحمام الذي لا يحتمل ضغط عشرين سجيناً في لحظة واحدة، كنت أحرص على حلق لحيتي، ولبس ملابس السجن مع الفجر، حتى لا يراني السجان أو السجين بلا هيئة كاملة، وبلا هيبة، وكنت حريصاً على النظافة والنظام والالتزام، فما دامتَ القدوة، فعليك أن تشيل الحمل، وأن تصبر، فالأعين تعشق النماذج الرائعة، يا أيها المعلمون.
قال لي طلابي الذين التقيت معهم في سجن نفحة الصحراوي: كنا ننتظر حصتك بشوق ومحبة.