يسعى الوالدين لتربية أبنائهم وفق قواعد اجتماعية، ومنها توجيه الشكر والعرفان صوب من يقدم لهم معروفًا أو أي شيء، عرفانًا بالجميل. ويعد ذلك رؤية جيدة في سبيل تعليهم أن يكونوا ممتنين ويأخذوا هذا السلوك كأمر مسلّم به، غير أن الفترة الأخيرة شهدت بروز جيل متذمر وينكر ذاته يقارن بين ما تحصل عليه الأبناء اليوم، وما حصل عليه آباؤهم في الماضي.
السيدة مها صالح (28 عامًا) أم لأربعة أبناء، تجد من واقع تربيتها لأبنائها واحتكاكها بمن حولها، أن غالبية الأطفال لا يشعرون بقيمة ما يحصلون عليه، فكثيرًا ما تلقي على مسامعهم محاضرات بين النعمة التي يعيشون فيها، وما كان يعيش فيه الأبناء في الماضي.
وتشير إلى أنها لا تعلم ما إذا كان هذا الأسلوب ناجعًا في التربية، أو أنه سيقودهم إلى تعليم تقدير النعم التي بين أيديهم.
يقول موقع "رايزنغ كيدر وذ بربس" في مقال نشره حول هذا الموضوع، أن هذا في الواقع لا يمنع الأطفال من أن يكونوا جاحدين، كما نادرًا ما تفعل المحاضرات التي نلقيها على مسامعهم.
ويوضح الموقع أهمية النظر في جميع الأسباب التي تجعل أطفالنا غير ممتنين حتى نتمكن من غرس الامتنان لأنه مهم لصحتهم ورفاهيتهم.
تؤكد الاختصاصية النفسية تحرير أبو شرار أن كلمة شكرًا تقال عند الشعور بالامتنان وهي ذات تأثير نفسي كبير على الصغير والكبير، وتلفت إلى أن الطفل قد يعبّر عن هذا الامتنان قولًا أو سلوكًا كأن يحتضانها تعبيرًا عن الأثر الكبير الذي تركته في نفسه.
وتشير إلى أن تعليم الطفل الامتنان والشكر لا يفيد مستقبله فقط، بل يعود أثر عليه فهو مفيد لصحته النفسية والعاطفية والجسدية، وتجعله مقدرًا للنعم، وهو سلوك تربوي ينشئ طفلًا ناجحًا من مختلف الجوانب الاجتماعية والفكرية والنفسية.
وتقول أبو شرار: "تقدير الذات من الآخرين يشعر الطرفين بقيمة نفسيهما ويخلق لدى دافعية، ولذلك فإن تعويد الطفل على كلمة شكرًا بعد تقديم أي معزز يبدأ من سلوكيات الأم والأب ومن ينطلق للعالم الخارجي".
ويؤدي التعبير عن الامتنان إلى زيادة هرمون الأوكسيتوسين في الدماغ مما يعزز التعاطف والاسترخاء والكرم والهدوء والثقة والتعلق والحميمية والشعور بالأمان. كما أنه يقلل من هرمون التوتر والذي بدوره يقلل من القلق، تبعًا لأبو شرار.
وتبين أن فهم الطفل للامتنان يبدأ بعد سن الرابعة، ولكن بعض الأطفال يعمدون إلى طلب المزيد بدلًا من توجيه الشكر على ما يقدمه الآباء لهم، والخطأ أحيانًا يقع على عاتق الآباء.
"وباء أنا أنا أنا"
تقول "إيمي ماكريدي" مؤلفة كتاب "وباء أنا أنا أنا"، عادة ما يبدأ وباء الاستحقاق بالإفراط في الأبوة والأمومة، وكذلك في الحماية، والتدليل، والثناء، والقفز عبر جميع العقبات لتلبية مطالب الأطفال التي لا نهاية لها".
وترجع السبب في عدم الشعور بالامتنان من الأطفال هو شعورهم بأنهم مستحقون لذلك الإفراط، وليس لديهم خبرة لمقارنة حياتهم بحياة الآخرين فلم يتعلموا من التجارب أو ما يعانيه الأطفال.
ومن أسباب عدم شعور الطفل بالامتنان، عيشه في فقاعة، إذ تلفت "ماكريدي" إلى أن الأطفال ليس لديهم أي خبرة لمقارنة حياتهم بحياة الآخرين، "وعادة ما يُشجع الأطفال على التبرع بالألعاب أو حقائب الظهر للمحتاجين. ومع ذلك، لن يتعلموا الدرس ما لم يتمكنوا من عيش تجربة مباشرة لما قد يعانيه الآخرون بالفعل".
وتؤكد أهمية التطوع بالنسبة للأطفال، فهو يبني الشعور بالتعاطف والرحمة. كما أن التفكير في الآخرين يمكن أن يغير وجهة نظر المرء في حياته.
ووجدت إحدى الدراسات التي أجريت في "جامعة ييل" أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و8 سنوات كانوا أقل عرضة للشعور بعمق بالامتنان في حال توقعوا الحصول على مكافأة أو هدية، في هذه الحالة لم يكن لدى الأطفال أيضا رغبة في العطاء للآخرين، وبالتالي يتوقعون أنها من حقهم الحصول عليها.
ويمكن تعليم الطفل الامتنان، ترى أبو شرار أنه يمكن من خلال اصطحاب الطفل معه لمشوار يحتوي على العديد من المهام يجب القيام فيها، وقدم الشكر والامتنان بعد القيام بها، والقيام بأعمال تطوعية مثل مساعدة الآخرين يقلل لديهم الأنانية.