القُرب من الناس وتلمُّس همومهم مكّن حركة حماس من التمتع بشعبية واسعة، وشكلت مخزونًا شعبيًا رفد الحركة بالكوادر المميزة في مجالات عملها المختلفة، فتمسُّك الحركة بالثوابت الوطنية جعلها قريبة من نبض الشارع المطالب بإزالة الاحتلال الإسرائيلي عن أراضيه كاملة، وساعدها في تجاوز تحديات مفصلية خلال الـ34 عامًا الماضية.
ويقول المحلل السياسي، تيسير محيسن: إن انطلاقة حماس كانت في عام 1987م خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي شكّلت تحولًا استراتيجيًا في العلاقة ما بين الشعب الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي، في وقتٍ لم يكن الاحتلال يمتلك فيها أي مؤشرات على أنه سيخرج من بين صفوف شعبنا أي حركة إسلامية.
وأوضح محيسن في حديث لـ"فلسطين"، أن الالتفاف الشعبي حول الحركة مكّنها من صياغة توجهات مهمة في العمل المقاوم، في حين سعت السلطة من خلال اتفاق أوسلو الذي وقعته منظمة التحرير مع (إسرائيل) لوقف تمدد الحركة شعبيًّا.
وأشار إلى أن حماس استطاعت بالالتفاف الجماهيري التعامل مع تطورات إستراتيجية على صعيد القضية الفلسطينية، خاصة على الصعيد العسكري، وصولًا لقرارها الإستراتيجي بالدخول في النظام السياسي الفلسطيني من خلال الانتخابات 2006م".
وتُوج ذلك –وفقًا لمحيسن- منح الشارع لها الثقة الواسعة جدا بناء على معطيات عديدة في مقدمتها إيمانه بمصداقية الحركة ومنهجها في تحمّل مسئوليات وطنية جسيمة في ظل الفساد المالي والإداري الذي كان مستشريًا في عهد السلطة.
تحديات جسيمة
وتلا ذلك فرض حصار إسرائيلي دولي إقليمي على حركة وحياة المواطنين في غزة، "وراهن كثيرون بأن حماس لن تقوى على الصمود أمام هذه التحديات الجسيمة لكن ما نراه الآن أنه استطاعت أن تخرج من كل مراحل التحديات بثقة وإصرار وتمسّك بالأهداف العليا لشعبنا وهذا ما جعلها تحظى بتعاطف جماهيري واسع ليس في الساحة الفلسطينية فقط بل في الإقليم بأكمله"، كما يقول محيسن.
واعتبر أن الحاضنة الشعبية لحركة حماس جعلتها تتجاوز التحديات الكبيرة جدًا التي واجهتها، "وهذا الصمود جعل السلطة في رام الله تفرض عقوبات قاسية إلى جانب حصار الاحتلال على غزة لإحداث فجوة بين المواطنين وحماس.
ولفت إلى أن المحاصِرين أرادوا بهذه العقوبات أن تنبذ الجماهير برنامج المقاومة في غزة الذي تتبناه حماس وحشرها في زاوية عدم قدرتها على الإيفاء بمتطلبات تسيير الحياة فيها، "إلا أن الحركة استطاعت بكل ثقة أن تتخطى مراحل عديدة واجهه القطاع سواء خلال الحروب الإسرائيلية التي شنها الاحتلال أو حتى في فترات إجراءات السلطة العقابية على غزة ".
ودلل على تجذّر الحاضنة الشعبية بما يحدث بالضفة برغم إجراءات السلطة القاسية بهدف إبعاد الناس عن الالتفاف حول برنامج المقاومة الذي تتبناه حماس إلا أن شعبية الحركة قوية رغم تجفيف كل ينابيع التأييد للمقاومة حتى بمستوى ملاحقة راية الحركة في الضفة ومنع رفعها في أي فعالية وطنية كما تجلى ذلك في معركة "سيف القدس" الأخيرة.
الثوابت الوطنية
من جانبه، أوضح المحلل السياسي، إياد الشوربجي أن لحركة حماس جماهيرية ولدت من رحم شعبنا وانبثقت من الجماهير المنتفضة المناضلة الساعية للتحرير، "فهي جزء أصيل من شعبنا وامتداد من امتداداته العريقة شعبيًا ونضاليًا وخدماتيًا وحريصة دومًا على أن تشكل حاضنة شعبية وتحافظ عليها باعتبارها البيئة الخصبة التي يترعرع فيها المقاوم الفلسطيني لينطلق لتحرير أرضه".
ولفت الشوربجي في حديث لـ"فلسطين"، إلى أن هذه الحاضنة ضرورية ولازمة لأي فصيل مقاوم وتشكل الأرضية الأساسية له، "فحماس حريصة على أن تكون علاقتها بالحاضنة الشعبية لصيقة وتعمق هذه العلاقة معها باعتبارها الحصن الأصيل لها، فهي ترفده بالكوادر والدعم والرعاية وكل ألوان الاحتضان".
وأشاد بوضع حماس نصب أعينها منذ انطلاقتها الحفاظ على الحاضنة الشعبية كأمر إستراتيجي باعتبارها الأساس الذي تقوم عليه المقاومة، "فنجد الحركة متغلغلة في كل الأطر النقابية وكل مجالات العمل الشعبي ما جعلها الفصيل الأكبر شعبية في الساحة الفلسطينية.
وقال: "شكلت انتخابات 2006 محطة مهمة في إثبات جماهيرية الحركة بشكل واضح فحصلت على شرعية إضافية بالإضافة للشرعية الثورية"، مبينًا أن نضال حماس هو للحفاظ على ثوابت شعبنا وتجلى ذلك في "سيف القدس" عندما انتصرت "كتائب القسام" للقدس باعتبارها على رأس ثوابت الحركة الوطنية، فتجاوز ذلك البعد المحلي لتعزيز شعبية الحركة في الفضاء العربي والدولي.