فلسطين أون لاين

فلسطين أمام منعطف تاريخي

 

هاجم المستعمرون المستوطنون يوم الأربعاء الماضي حيّ الشيخ جرّاح في القدس، بحماية جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهم يهتفون: "الموت للعرب"، "اخرجوا من إسرائيل". وقبل ذلك بأيام، نفذ جنود الاحتلال، بدم بارد وعلى الهواء مباشرة، عملية إعدام الشاب الفلسطيني، محمد شوكت اسليمية، وهو جريح ملقى على الأرض وعاجز عن الحركة. ولم تكن هذه الحادثة الوحيدة من هذا النوع، فقد سبقتها عمليات إعدام مماثلة، نفذها الجنود الإسرائيليون في جرحى فلسطينيين في مختلف مناطق الضفة الغربية والقدس. ونفذ المحتلون عدة عمليات قتل بشعة بإطلاق الرصاص على سيارات مدنية فلسطينية من دون أي مبرّر، ذهب ضحية إحداها الطفل محمد العلامي، وعمره 11 عامًا، في بلدة بيت أمّر في محافظة الخليل، في شهر أغسطس/ آب الماضي. وقبل ذلك قتل جنود الاحتلال في إبريل/ نيسان الماضي الفلسطيني الشهيد أسامة منصور من بلدة بدّو، بإطلاق الرصاص من دون مبرّر على سيارته، بعد أن أوقفوه على أحد حواجزهم، وجرحوا كذلك زوجته التي أصيبت بالرصاص في ظهرها.

هذه مجرّد أمثلةٍ لما يتعرّض له الفلسطينيون على أيدي جنود الاحتلال والمستوطنين الإسرائيليين، في ما أصبح نهجًا فاشيًا لا يقيم وزنًا للأعراف والقوانين الإنسانية والدولية. ويترافق ذلك كله مع وتيرة توسّع استيطاني غيرمسبوقة، ومحاولات تنفيذ تطهيرٍ عرقي، ونشاط حكومي إسرائيلي حثيث لتنفيذ ما سمّيت "صفقة القرن" الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية برمتها، وتكريس منظومة الاحتلال والأبارتهايد، بالتوازي مع تطبيع فاضح مع عدة دول عربية.

حلت يوم الأربعاء الماضي الذكرى الرابعة والثلاثون للانتفاضة الفلسطينية (الأولى) التي هزّت وجدان العالم، وأجبرته على رؤية نضال الشعب الفلسطيني وكفاحه ومعاناته. وارتكب جنود الاحتلال في أثناء تلك الانتفاضة جرائم لا تعدّ ولا تُحصى، وكان من نتائجها استشهاد 1550 فلسطينيًا، منهم 276 طفلًا، واعتقال 120 ألف فلسطيني، معظمهم في جيل الشباب، وجرح 70 ألف فلسطيني، أصيب 28 ألفًا منهم بإعاقة دائمة، ومن بين الشهداء قتل المحتلون 40 فلسطينيًا في أثناء تعذيبهم في أقبية التحقيق. وخلال الانتفاضة (الثانية)، قتل جيش الاحتلال والمستعمرون 4446 فلسطينيًا، منهم 826 طفلًا، أشهرهم محمد الدرّة، ومنهم 289 امرأة و36 طبيبًا وعاملًا صحيًا وتسعة صحافيين، بالإضافة إلى جرح 48 ألف فلسطيني. وأدت الحروب الأربع التي شنّها جيش الاحتلال على قطاع غزة في أعوام 2008 و2012 و2014 و2021 إلى استشهاد 3916 فلسطينيًا، منهم عدد مذهل من الأطفال وصل إلى 1122، بالإضافة إلى 649 امرأة.

من المهم تذكّر هذه الأرقام ونشرها في المحيطين، العربي والعالمي، لإبطال تأثير الدعاية الإسرائيلية المغرضة، التي تسعى إلى تحويل الضحية إلى مجرم، والمجرم إلى ضحية، ولصد المزاعم المغرضة لبعض المطبعين، أن الشعب الفلسطيني لا يقاوم الاحتلال.

ظن كثيرون أنّ "صفقة القرن" اختفت بسقوط دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية، لكنها، في الواقع، أصبحت برنامج العمل الفعلي للحكومة الإسرائيلية الحالية، تمامًا كما كانت برنامج عمل حكومة نتنياهو السابقة، وهي لم تكن إلّا خطّة إسرائيلية بغلاف أميركي لتصفية القضية الفلسطينية. وكلّ ما تشيعه إسرائيل اليوم عن تحسين اقتصادي مزعوم، وتقليص الصراع، ليس سوى محاولةٍ لكيّ الوعي العربي والعالمي، وترويج التطبيع مع كيان الاحتلال ومنظومة الأبارتهايد العنصرية، مع مضاعفة الضغط على الشعب الفلسطيني لكسر مقاومته، ومحاولة تدجين أجزاء منه. وفي الوقت نفسه، تحاول إسرائيل تنفيذ عملية خداع، لتبرير التملّص من الاتفاقات والوعودات بإعادة إعمار ما دمّره الاحتلال في قطاع غزة، وجزء هام من الدمار ما زال قائمًا منذ عام 2008. وهذا ما يفسر احتمالات التصعيد التي تشهدها المنطقة، بعدما نفد صبر الفلسطينيين إزاء الحصار الخانق على قطاع غزة، والتقاعس عن إعادة إعماره.

السؤال الهام هنا موجّه إلى المجتمع الدولي، بكلّ مؤسساته، الذي يواصل الحديث عمّا يسميه "حلّ الدولتين" من دون اتخاذ أي إجراء فعلي ضد ما تقوم به إسرائيل من تدمير منهجي لفرص هذا الحلّ عبر الاستيطان، وما تنفذه من قمع وتنكيل ضد الشعب الفلسطيني. وللأسف، تتورّط أجزاء من المجتمع الدولي في اتخاذ إجراءاتٍ ضد "حملات المقاطعة ضد إسرائيل" وتتعاطى مع محاولات إسرائيل لوسم النضال الفلسطيني المشروع بالإرهاب، وتعميم ذلك على منظمات أهلية من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني.

كان من الممكن أن تنتهي الانتفاضة الشعبية (الأولى) التي نجحت في تغيير ميزان القوى لمصلحة الشعب الفلسطيني، بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس، لكنّ معظم تأثيرها تبدّد عبر استدراج القيادة الفلسطينية إلى فخ "أوسلو" الذي انتهى إلى نفق مسدود بحائط أصبح اسمه "صفقة القرن"، ومضمونها أنّ إسرائيل والحركة الصهيونية ترفضان فكرة الحل الوسط مع الفلسطينيين، وتواصلان عملية ضمّ الأراضي المحتلة وتهويدها.

خلاصة القول، أنّ القناعة لدى الشعب الفلسطيني أصبحت راسخةً، بفشل كل نهج المفاوضات، والفشل الذريع لاتفاق أوسلو وملحقاته، وعبثية انتظار مساعدة الآخرين، أو الاتّكال على حسن نياتهم، وأنّ ما من حلٍّ يمكن أن يتحقق من دون الاعتماد على النفس، وتبنّي نهج كفاحي مقاوم للاحتلال ولمنظومة الأبارتهايد العنصرية، وتؤكد ذلك أخيرًا نتائج استطلاعات الرأي في فلسطين التي تشير إلى انخفاض نسبة التأييد لما سمّي "حلّ الدولتين"، والارتفاع في نسبة المؤيدين لحل الدولة الديمقراطية الواحدة على كامل أراضي فلسطين التاريخية.

المصدر / العربي الجديد