فلسطين أون لاين

تقرير "عبد القادر" صادَق الصقور منذ صغره رغم ندبات مخالبها

...
غزة/ هدى الدلو:

بعد تأديته صلاة الفجر يحمل معداته البسيطة من قفص وحبل طويل، وواحدًا من صقور الباشق المدربة، والطعم الخاص، يذهب إلى السياج الأمني الفاصل شرقي مدينة غزة، لا يفصله عن جيبات الاحتلال الإسرائيلية سوى 15 مترًا.

ينظف الشاب عبد القادر حميدة المكان ويجهزه لنصب كمين يجلس بعيدًا عنه بضعة أمتار فقط، يترقب بحذر اصطياد صقر جديد ليضمه إلى مجموعته، متمنيًا أن يكون نوعًا جديدًا.

أحيانًا يقع الصيد في قبضته بعد دقائق معدودة وفي أحيان أخرى ينتظر ساعات طويلة حتى تحقيق هدفه.

ظهرت هواية الشاب حميدة (37 عامًا)، من سكان حي الشجاعية الواقع شرق مدينة غزة، مذ كان في الصف السادس الابتدائي. يهوى الطيور الجارحة والشرسة، ولا يفضل تربية الطيور الناعمة ذات الأصوات الجميلة.

يتحدث لصحيفة "فلسطين" بأنه في ذاك الوقت كان يدّخر مصروفه الشخصي لعدة أيام من أجل الذهاب إلى سوق "فراس" الشعبي وشراء صقر صغير ليربيه في بيته، ولكن في كل مرة لم يكمل معه 24 ساعة، فبعد أن يترك الصقر آثار الجروح على يديه ورقبته يطير منه.

أيقن حميدة رغم عمره الصغير آنذاك أن عليه تعلُّم كيفية التعامل معهم، والإمساك بهم دون أن يلحق بنفسه الأذى، فعلى دراجته الهوائية انطلق إلى مكان مفتوح مصطحبًا معه منظارًا صغيرًا وجلس يراقبهم ويتتبع طريقة أكلهم وما الذي يجذبهم للفريسة ويخطط لطريقة صيدهم.

وفي إحدى المرات اصطحب معه أرنبًا ووضعه منتظرًا صقرًا لمهاجمته ليتمكن من اصطياده، فشاهد أحد الصقور يهاجم طير الفر والحمام، فشعر أنه وضع يده على بعض أسرارهم. مع إصراره كان في كل مرة يخرج للصيد يأخذ ما ينقصه في المرة التي سبقتها من معدات، حتى وقع في قبضته صقر ضخم طول جناحه 180 سم، وأظفاره أكثر من 5 سم.

يضيف حميدة: "كان ضخمًا أطول مني، دخل إلى الشباك وحاولت كثيرًا تثبيته ومسكه، وآذاني كثيرًا، لكني تحملت حتى لا يفلت مني، ومن هنا تمكنت من صيد الصقور وتربيتهم فوق سطح منزلي".

ورغم أنه قفصه الكبير بات يضم أعدادًا من الصقور إلا أن يرفض بيعهم لأحد، إذ يعز عليه فراق أي من طيوره الجارحة، خوفًا من عدم قدرة المشتري من التعامل معه فيلحق به أذى.

ويلفت إلى أنه في موسم التزاوج والهجرة يطلق سراح صقوره، ويترك عنده اثنين أو ثلاثة.

ويلفت حميدة إلى أن بعض أنواع الصقور بعد اصطيادها تمتنع عن تناول الطعام والشراب لنحو أسبوع وأحيانًا لأسبوعين، "كان ذلك يدفعني لإطلاق سراحها حتى لا تخسره الطبيعة خاصة إذا كان من الأنواع النادرة، وبعضها يضع في رجليها مرابط ليطلقها أسبوعين تقضي حاجتها من الطبيعة ثم يعيد صيدها مرة أخرى".

مراوغة الصقور

في حوزة حميدة 210 صقرًا صغيرًا، و32 من العقبان الضخمة، كما تضم مجموعته أنواع مختلفة كالعقاب المالكي وهو من الأنواع النادرة، والباذ، والباشق، والكوفية، وحوام السهول، والحدقة.

يقول إنه بعد اصطياد الصقور يشرع في تدريبهم وتعليمهم، يعتمد على سرعتهم على التعلم، "فالصقور ذلك ومنها ما يستغرق منه ثلاثة أيام فقط ليتمكن من ترويضه وتفريغ دماغه من الحياة البرية، ومنها ما يستغرق ثلاثة أشهر حتى يعتادوا عليه ويثقوا به".

ويوضح حميدة أن تربية الصقور تحتاج إلى نفَس طويل في التعليم والتدريب وامتلاك مهارة في المراوغة، وتحمل آلامهم وجروحهم.

ويقول إنه لا يوجد مكان في يديه إلا وبه ندبة جرح من أظافرهم، كما أن تربيتهم مكلفة إذ يحتاجون إلى طعام خاص من الدجاج والفر واللحوم، ويخاطر بحياته من أجل اصطيادهم في المناطق الحدودية.

ويستكمل: "مثلًا صقر العقاب المالكي رفض تناول الطعام الذي أقدمه لبقية الصقور، حتى ذبحت له أرنبًا وقدمته له، وعرفت الطعام الذي يفضله، فلذلك يجب توفير البيئة المناسبة له، رغم أنه هذا مكلف ماديًا".

ويتمنى من الناس أن تعرف قيمة الصقر، فهو طائر عزيز يرفض الإهانة وكسرة النفس، يموت لو كسر منقاره وقصت أظافره.