فلسطين أون لاين

وزارة التنمية برام الله تتجاهل معاناتهم وتمتنع عن صرف المخصصات

تقرير "الذمم المالية" تفتح السجون لمنتفعي الشؤون.. وأطفالهم يكتوون بالنار!

...
صورة أرشيفية
غزة/ يحيى اليعقوبي:

بات بكاء أطفال "أم محمد. ج" سلوكًا روتينيًا في حياة أطفالها، وهم يستعدون للذهاب إلى المدرسة، فالحصول على مصروف المدرسة اليومي أمر بالكاد يتحقق مرتين أسبوعيًا، ينخرهم الجوع أحيانًا وهم يرون زملاءهم يتنافسون للشراء من مقصف المدرسة، بينما يكتفون بالنظر من بعيد بأعين تقتلها الحاجة.

لم تجد "أم محمد" إلا أن تفرد ذراعيها الفارغة لأطفالها، والبكاء من خلفهم على حال العائلة بعدما يغادرون المنزل، فزوجها الذي يبيع الكعك ويدخل يوميًا خمسة عشر شيقلا اعتقل لمدة 21 يومًا بسبب عدم مقدرته على سداد ديون إيجار البيت والبقالة وديون أخرى تبلغ قيمتها أربعة آلاف شيقل.

إضافة لاعتقال زوجها على ذمة مالية وغياب الدخل عن العائلة، لا يكفُّ صاحب المنزل عن قرع باب البيت مطالبًا بثمن الإيجار المتراكم، وهو حال تعيشه آلاف العائلات الغزية من منتفعي الشؤون الاجتماعية، وباتت السجون تفتح أبوابها لهم بسبب عدم المقدرة على سداد التزاماتهم المالية.

تقول أم محمد: "سابقًا كنا ندفع باستمرار لصاحب البيت حينما كانت شيكات الشؤون منتظمة، الآن كل الالتزامات تراكمت علينا وأصبحنا مهددين بالطرد، زوجي اعتقل أربع مرات؛ أصبحت حياتنا صعبة لا نستطيع تلبية احتياجات أطفالنا".

تعرض جانبًا من معاناتها اليومية في جدال مع أولادها "صباح أمس قال لي ابني الذي يدرس بالصف الثاني الابتدائي ملحًا: "بدي مصروف وبدي اشتري ملزمة للامتحانات زي كل الأولاد"، وهو متفوق وحافظ لعشر أجزاء من القرآن الكريم، فطلبت منه إخبار مدرسه أن والده مسجون على ذم مالية لا يوجد من يصرف علينا".

وإن كان هذا الطفل يستطيع استيعاب ظروف أسرته فإن شقيقته التي تدرس في رياض الأطفال لا تدرك عمق الأزمة التي تعيشها العائلة، ولا تجد إلا البكاء أمام أمها للتعبير عن حالة الحرمان التي تعيشها، "شيء صعب إنك كل يوم تسمع هالطلبات وما تقدر تلبيها.. يقهرني كأم؛ غير هيك علينا رسوم روضة مش قادرة ادفعها".. يجثم الوجع على نبرةِ صوتها.

هذا الحال لم يكن تعيشه العائلة مع وجود المخصصات والأب الذي يوفر دخلًا محدودًا من بيع الكعك يسكت به صوت جوع أطفاله الذي بات مسموعًا.

تقول الأم: "تخيل أن تعيش ثمانية أشهر بدون صرف الشيكات للطبقة الأشد فقرًا، الآن لا أحد يمكنه إقراضنا".

وتذكر أن صاحب البيت قطع خلال الفترة الماضية الكهرباء والمياه لمدة أسبوع، لتدخل العائلة في أزمة جديدة بين سلسلة أزمات تعيشها، "عشنا في ظلام طوال اليوم، بلا مياه، ولا كهرباء".

في الشارع

أما "أم بدر" فلم تجد هي وأولادها الثلاثة سوى البحر لتذهب إليه رغم برودته وتجلس على قارعة الطريق، بعدما طردهم صاحب المنزل وحجز على أثاث بيتها وهددها بالسجن بسبب عدم قدرتها على دفع الإيجار المتراكم عليها منذ ثمانية أشهر.

على شاطئ البحر لم يترك المارة والمصطافين "أم بدر" تحت سطوة برودة الشتاء بلا "مأوى"، حيث بادرت عائلة تسكن حي النصر غرب مدينة غزة لإيوائهم إلى حين إيجاد مسكن لها أو صرف المخصصات.

السيدة التي أوتها وتدعى "أم وديع" تستحضر في حديثها لصحيفة "فلسطين" الصورة التي وجدت عليها تلك العائلة: "كان الجو باردًا، فرأيتها تبكي وبجانبها ثلاثة أولاد، والإنسان يجب أن يكون لديه ضمير يشعر بالآخرين ففتحنا لها بيتنا منذ خمسة أيام حتى تستطيع تدبير أمورها".

تتذكر "أم بدر" صوت صاحب المنزل عندما قام بطردها وهي تجهش بالبكاء: "منذ نحو شهرين وهو يهددني بالطرد، لم أستطع حتى دفع إيجار شهر واحد، رغم أني ذهبت وعرضت قصتي على بعض الإذاعات المشهورة، لكن بلا فائدة لم يتواصل معي أحد".

وتشير إلى أن صاحب البيت حجز على الأثاث ويريد منها التوقيع على كمبيالات بإيجار الثمان أشهر المستحقة على العائلة، بالإضافة إلى الكهرباء والمياه والخدمات والبالغ قيمتها ألفا شيقل.

تتساءل أم بدر: "هل يسمح المجتمع أن يرى امرأة مطلقة ترتمي بالشارع ويحدث لها ما يحدث والذنب أننا منتفعو شؤون اجتماعية أصبحنا منبوذين في نظر المجتمع؟!.. استفهام كبير لا تجد له إجابة.

في السابق كان شيك الشؤون الاجتماعية البالغ 1370 شيكلا كفيلا في سداد تلك الالتزامات، فعدم صرف المخصصات بالنسبة لها أشبه بسحب "طوق الإنقاذ من إنسان لا يجيد السباحة!" لتغرق هي وأطفالها في مستنقع الفقر مستدركةً بعدما حبست شيئا من دموعها "لو صرفت المخصصات لما ارتميت في الشارع، لا أستطيع دفع الإيجار، أولادي البالغة أعمارهم 12،13،14 عامًا لا يذهبون إلى المدرسة حتى أن اثنين منهم ينامون حاليا في مقهى".

حياة مطاردة

أما "أبو جبر" فأصبح مطاردًا للشرطة التي لا تكفُّ عن طرق باب بيته؛ لوجود أوامر حبسٍ عن مديونية تبلغ قيمتها ستة آلاف شيقل.

يقول أبو جبر (50 عاما): إن قيمة شيك الشؤون الذي يحصل عليه تبلغ قيمته 1600 شيقل، وبإمكان سداد دينه لو حصل على الشيك بشكل منتظم، لافتًا إلى أن مديونيته أصبحت حملاً ثقيلا على كتفه.

ويلفت إلى أنه يحصل الشؤون بعد تعرضه لحادث اصطدام دراجته النارية بشاحنة أدت لزرع بلاتين بقدمه، ويجلس اليوم في بيت بلا عمل وليس بمقدوره إعالة أبنائه الأربعة.

يضيف أبو جبر: "أصبحت مطاردًا لا أنام في بيتي بسبب وجود أمر حبس، أتنقل بين بيوت الأخوة والأقارب وأعود إلى البيت في أيام الجمعة والسبت نظرًا لأن تنفيذ الأوامر في هذين اليومين يكون أقل مقارنة ببقية الأيام أيضًا لا أستطيع التجول في النهار".

وبقلب مقهور يتابع: "أصبحت حياتنا في الهاوية نذهب لطريق مجهول، تخيل أن تذهب للسجن وتنعزل عن العالم مدة واحدٍ وعشرين يومًا تعتقل مع تجار مخدرات وسارقين فتشعر بحجم الذل والمهانة وقلة القيمة".

أمام قسوة الواقع يحمل قدمه المتثاقلة متحاملا على ألمه بالمسكنات، يعمل بشكل متقطع لتوفير دخل بسيط لعائلته، رغم وجود تهديد بالسجن فغيابه عن البيت يمثل دخول العائلة بظروف غير عادية.

تحتفظ ذاكرته بمشاهد مأساوية عاشتها العائلة في غيابه، إذ اعتقل أربع مرات، وعندما خرج في إحداها وجد طعام أبنائه طوال مدة حبسه هي الدقة والبطاطا، "يومها تمنيت أن تنشق الأرض وتبتلعني ولا أرى هذه المعاناة والظروف".

وكان من المقرر صرف الدفعة المالية الأولى لعام 2021 نهاية شهر مارس الماضي لعدد 116 ألف أسرة مستفيدة من مخصصات الشؤون، على أن يتم صرف الدفعة الثانية مطلع يونيو الماضي، ولكن الوزارة لم تصرفهما.

من بين المستفيدين، 53 ألف مستفيد من مخصصات الشؤون من ذوي الإعاقة، و28 ألفًا من كبار السن والمرضى، و10 آلاف أرملة، و725 منفصلة وكلهم تحت خط الفقر.