في الطريق الرابط بين مدينة حمد ومنطقة القرارة بمحافظة خان يونس، لا يمكن للمارة المشي بسلام دون تعرضهم لنباح الكلاب الضالة المترامية في الطريق المجاور لمحررة "حطين" مساء كل يوم.
كثيرًا ما اشتكى الأهالي في المناطق الشرقية لخان يونس من ظاهرة الكلاب الضالة التي تحتل مع مغيب الشمس مكبات النفايات والتي يتأخر عمال النظافة في إزالتها، فتمنع الأهالي من التزاور ليلاً، أو تعترض طريق المصلين في أثناء ذهابهم إلى أداء صلاة الفجر، وكذلك يشعر الناس بالخوف عندما يرسلون أبناءهم للمدارس في الفترة الصباحية.
يقول محمد شاهين الذي يسكن مدينة حمد لصحيفة "فلسطين": إن ظاهرة الكلاب تثير الرعب في نفوس الأطفال ولأكثر من مرة سجلت حوادث تمثلت بملاحقة هذه الكلاب للسكان، مشيرًا إلى أن شباب المدينة بادروا للتخلص منها وإرسالها لجمعية "سلالة" التي ترعى الحيوانات.
بينما يفيد غسان نبهان الذي يسكن منطقة القرارة، بأن عائلته تضطر لسلوك مفترقات بعيدة عن تجمعات الكلاب، أو العودة للمنزل قبل حلول المساء وبدء تجمعهم.
طفل بين أنياب الكلب
كان أيهم سالم ناجي (خمس سنوات) الذي يسكن بجوار مسجد القبة غرب محافظة خان يونس، ذاهبًا بدراجته الهوائية الصغيرة للعب في الأرض المجاورة لبيته، انقض عليه كلب حراسة يعود لأحد الجيران من فوق سور أرضه وعض الطفل من رأسه وغرز مخالبه في وجهه ثم تركه عائدًا للأرض.
ركض أيهم بحالة خطرة تسيل الدماء من رأسه، وترتجف أطرافه من الخوف، تلقفه الجيران ونقلوه إلى مستشفى "ناصر" بالمحافظة التي حوَّلته بدورها لمستشفى غزة "الأوروبي".
طبيب الباطنة بمستشفى غزة الأوروبي عماد الكرنز يوضح أن الطفل تعرض لجروح عميقة في وجهه ورأسه من الجهة اليمنى واليسرى، يتراوح طولها بين 10-12 سم، والأمر نفسه في يده اليمنى.
أدخل أيهم إلى المشفى، كما أضاف الكرنز لصحيفة "فلسطين"، وأجريت له عمليات غسيل للجروح وفق برتوكولات صحية خاصة للتعامل مع عضات الكلاب، ثم أجريت له عمليات لئم للجروح (تغريز) تجميلية.
ويلفت إلى أن الطفل مستقر صحيًا ولا خطورة على حياته حاليًّا، غير أنه سيحول على الطب الوقائي بالمشفى لإبقائه تحت الملاحظة.
لم تكن حادثة أيهم الوحيدة، فقبلها بأيام تعرض الطفل معتز الجرودي من منطقة القرارة لهجوم من كلب حراسة يعود لأحد الجيران، من فصيلة جيرمن وهي ذاتها التي هاجمت أيهم.
رئيس جمعية سلالة لرعاية الحيوان سعيد العر الذي تابع تفاصيل الحادثة يقول لصحيفة "فلسطين"، إن الكلب عض الطفل وظل متشبثًا به حتى جاء الدفاع المدني بالمنطقة وخلص الطفل منه.
العر الذي زار أيضًا الطفل أيهم، ويتابع حالته الصحية، أفاد بأن عائلة الطفل أبلغت من وزارة الصحة بعدم توفر اللقاح اللازم لداء "الكلب" لديها، وأن الجمعية تحاول توفيره من خلال مؤسسات بالضفة الغربية.
محمية كبيرة
أسس العر جمعية "سلالة" وذلك لرعاية الحيوانات الضالة التي تتعرض للدهس والحوادث ولا تجد من يرعاها، ولحماية الحيوانات التي تتعرض للقتل بإطلاق النار والتسميم نتيجة وجودها بين البيوت والمزارع، وما زال يحاول إيجاد مساحة كبيرة لإنشاء ملجأ كبير يتم فيه جمع الكلاب والقطط رغم أنه قدم تصورًا لسلطة الأراضي منذ أربع سنوات لم يُترجم على أرض الواقع؟
يؤكد أن إنهاء الظاهرة يحتاج لتكاتف الجهود من البلديات والحكومة والمجتمع المدني، لافتا إلى أن أعداد الكلاب زادت بعد الحروب الإسرائيلية على غزة خاصة الأخيرة، إذ تهرب الكلاب من المناطق الشرقية بحثا عن الأمان إلى داخل المدن، وهذا ما لاحظه من خلال شكاوى واتصالات المواطنين التي ترد الجمعية.
ويلفت العر إلى أن بلديات بيت حانون تحاول تجهيز ملجأ، وتواصلت مع الجمعية بلديات بيت لاهيا، والنصيرات، والبريج، ورفح، وخان يونس، "لذات الأمر قدمت الجمعية تصورا ورؤية لإنشاء ملاجئ".
لكن العر يدافع عن الكلاب الضالة، ويقول إنها غير مؤذية إذ تنشأ من صغرها ضعيفة بسبب تعرضها للضرب من الناس، "حتى عندما تقدم له الطعام لا يظهر جسارة في التقدم إليه، ويقتصر سلوكها على النباح والملاحقة التي لا ينكر أحد أنها تثير رعب المواطنين خاصة الأطفال والنساء".
ومضى إلى القول: "خطر الكلاب الضالة أقل من كلاب الحراسة فهي أكثر عدوانية وتربى على هذا الأساس، خاصة أن المربين يتعمدون منذ صغر الكلاب إعطاءهم إشارة إلى الهجوم على الأطفال
–دون تنفيذ ذلك– من باب المزاح فينشأ الكلب على الشخصية ذاتها".
الأمر الذي يحتاج من وزارة الداخلية للتدخل وإخضاع مربي كلاب الحراسة بدورات تربية وترويضها، وكذلك منع خروجها دون لجام وطوق رقبة، وفق العر.
انتشار الكلاب يستدعي جهودًا مكثفة من المجتمع والبلديات والجهات المختصة لإنشاء محميات للكلاب كحل "رحيم" على غرار ما فعلت بلدية غزة.
وبنت البلدية ملجأ لإيواء نحو 500 كلب يتم تجميعها من مختلف أحياء المدينة، وتوفير الطعام والماء لها، ووقف عملية تكاثرها بالطرق الصحية من خلال إخصاء الذكور وعزلها عن الإناث، في حين تقدر أعداد الكلاب في المدينة بنحو 4-5 كلاب تشكل خطرا على المواطنين. بحسب إفادة سابقة من رئيس قسم الصحة الوقائية في بلدية غزة محمد العشي لصحيفة "فلسطين".
كلاب في الطريق
في حي "الإسراء" بمنطقة العامودي شمال قطاع غزة، يضطر منذر الشرافي لمرافقةِ أبنائه في أثناء ذهابهم إلى المدرسة صباحًا، بسبب انتشار الكلاب الضالة في المنطقة.
"في إحدى المرات هجمت الكلاب على مُسن خلال توجهه لصلاة الفجر ومزقوا ملابسه، وقاموا بعضه، وقتها كنت مارًا أنا وبعض الجيران فقمنا بطردهم وإسعاف الحاج" يدلل على خطورة الكلاب.
في موقف آخر، وفي أثناء مرافقة منذر لنجله على المدرسة لاحظ صراخ طفلين بشكل هستيري بعدما هاجمهم كلبان، ولولا تدخله بالوقت المناسب لوقع الطفلان ضحية، بنبرة غاضبة أضاف: "للأسف الظاهرة منتشرة بكثرة وتلاحق الأطفال والنساء"، مشيرا إلى أن الأهالي ناشدوا بلدية المحافظة لإنشاء محمية لكن دون جدوى.
مدير الخدمات البيطرية بوزارة الزراعة د. حسن عزام يبين أن دور إدارته منذ عشرين عامًا، اقتصر على جلب السموم للبلديات للتخلص من الظاهرة، لكن الشركات المصنعة لها عالميًا توقفت عن تصنيعها لخطورتها على التربة بعد تحلل الكلب بالتالي منع تداولها، مشيرًا إلى أن ترك الكلاب الضالة زاد عددها وأصبحت مؤذية.
ولفت عزام في حديثه مع صحيفة "فلسطين"، أن هناك قصة نجاح لبلدية غزة بإنشاء ملجأ جمعت فيه مئات الكلاب، لافتا إلى أن عدة بلديات راسلت الخدمات البيطرية بالخصوص، ولكن هذا ما يحتاج لمبادرة من البلديات بتوفير أماكن وملجأ وجمع للكلاب، ثم تقوم الخدمات البيطرية بمديريات الوزارة بالتعامل البيطري معها من تعقيم ومنع تكاثر باعتبارها جهة فنية.