فلسطين أون لاين

"الأرشيف المتحرك" يروي كيف حفظت الصورة أحداث الانتفاضة

...
المقدسي محفوظ أبو ترك (أرشيف)
غزة/ هدى الدلو:

بحقيبة يحملها على كتفه تحتوي على الصور وكاميرته الخاصة، جاب المقدسي محفوظ أبو ترك مدن الضفة الغربية المحتلة وأزقة المخيمات يوثق أحداث الانتفاضة الساخنة التي قليلًا ما هدأت.

كان المصور الصحفي الذي ناهز اليوم الثانية والسبعين من عمره، معلومًا بين شبان الانتفاضة، يبحثون عنه ليأخذوه إلى نقاط المواجهات، ليذهب لتغطيتها بصفته مراسلاً لعدة وكلات أنباء دولية.

يقول أبو ترك الذي لقب بـ"الأرشيف الذي يمشي على قدميه": إن الصورة في زمن انتفاضة الحجارة كانت تعني الكثير ليس للتوثيق فحسب بل في رمزية أساليب المقاومة بمواجهات الرصاص الحي.

يضيف لصحيفة "فلسطين": عندما بدأت الانتفاضة الأولى عام ١٩٨٧ وجدت نفسي حاملًا آلة تصوير، أتنقل بين بؤرة الفعاليات الوطنية والمواجهات بين الشبان الذين يخلعون قمصانهم ويلثمون بها وجههم ليحتموا من قنابل الغاز الإسرائيلية، ومن أعين الجيش كي لا يُعتقَل المنتفضون.

ويتابع: "كان هناك قاعدة متعارف عليها بين المصورين، ذلك بألا يتم التقاط صورة لشخص ما من دون تغطية وجهه".

ويصف أبو ترك تجربته في توثيق أحداث الانتفاضة ولا سيما مع اندلاع شرارتها الأولى بـ"المريرة، حيث كانت الضفة الغربية وقطاع غزة يرزحان تحت الحكم العسكري الصارم، وكان أصغر ضابط إسرائيلي يمكنه أن يرسل أي فلسطيني لسجن النقب الصحراوي لمدة ستة أشهر دون أي تهمة موجهة له، هذا فضلا عن الاعتداء عليه بالضرب وإطلاق العيارات النارية صوبه، وكذلك تُجاه الصحفيين، فقد كنت حينها أهرب مع الشبان عند حضور الجنود خوفًا من قمعنا".

في تلك الفترة تعرض "أرشيف الانتفاضة المتحرك" للضرب والاعتقال والإصابة بقنابل الغاز السام والمسيل للدموع، ولم يكن حينها قد حصل على بطاقة الصحافة الإسرائيلية.

ويوضح أبو ترك أن الصورة الصحفية في زمن الانتفاضة الأولى كانت ذات أهمية كبيرة، توثق أحداثها وتحفز وتحرك الشارع الفلسطيني، وتحرض على الانخراط بنشاطها والاندماج في فعاليات الانتفاضة، مشيرة إلى أن ظروف العمل الصحفي في ذلك الوقت كانت خطِرة وواقعها صعبًا.

ويذكُر أن أخطر صورة التقطها كانت في الخليل لأطراف طفل فلسطيني قد بترت، بسبب إلقاء جنود الاحتلال الإسرائيلي قنبلة يدوية عليه وعائلته فلي أثناء تجمعهم على مائدة الطعام فأصيب الجميع بحروق مختلفة.

أما عن المسار المهني بعد تصوير الحدث، فكان يذهب إلى الوكالة لتزويدها بالصور، حيث تعمل معاملها الخاصة على تحميض "أفلام التصوير الفوتوغرافي" (نيغاتيف)، ومقابل استخدام المصورين الفلسطينيين لتلك المعامل تحصل الوكالات على الصور التي يعيد المصورون الفلسطينيون طباعتها وتزويد مكاتب الصحف الفلسطينية بنسخ عنها.

ويفيد بأنه حفظ أغلبية المواد التي قام بتصويرها على الرغم من أن الثقافة التي كانت سائدة آنذاك هي ثقافة حذف وليس حفظ، ذلك خوفاً من تقديم دليل للاحتلال ضد أفراد المقاومة، وهو ما عرضه في كثير من الأحيان للمساءلة والضرب من أفراد جيش الاحتلال، التي كانت تنتشر بكثافة في شوارع مدينة القدس.

أما عن تنقله بين المحافظات الفلسطينية شمالًا وجنوبًا، فكان البحر سبيله إلى ذلك، إذ يقول: "كنت أتلقى مكالمات من قطاع غزة عن وجود فعاليات وأذهب إلى هناك من أجل تصويرها ثم أتلقى اتصالاً آخر من الضفة عن فعالية أخرى فأتوجه مسرعًا عن طريق البحر، فلم يكن هناك حواجز أو جدران بين القدس والضفة وغزة، حيث كانت الساحة الفلسطينية تفتقر للمصورين الصحفيين".

ويلفت إلى أن معظم المصورين الذين وثّقوا الانتفاضة الأولى هم من الذين عملوا مرشدين للمصورين الأجانب الذين قدموا إلى فلسطين من مختلف بقاع الأرض، وكانوا بحاجة إلى مساعدين لإرشادهم على القرى والبلدات التي تندلع فيها المواجهات، ثم تحول هؤلاء المصورون إلى العمل الصحافي المحترف الذي يهدف إلى توصيل الرواية والصورة الفلسطينية بأعين أصحابها.