التحدي الأول الذي يواجه الشعب الفلسطيني كما يواجه العرب والمسلمين كافة، وكل من يعتبر نفسه من أهل العدالة والتحرّر في العالم، يتمثل في كل ما يُعِدّ الكيان الصهيوني من مواصلة الاعتداء على المسجد الأقصى كاقتسام الصلاة فيه، بإقامة الصلاة اليهودية الصامتة التي أجازتها محكمة صهيونية مؤخراً، أو كالاحتفال في عيد "الأنوار" اليهودي، أو كما إشعال الشمعدان (الرمز الديني اليهودي) في أرجائه ومن حوله.
هذا التحدي يحمل طابع الحرب الدينية، بلا لف أو دوران، كما يحمل طابع الحرب الاقتلاعية للشعب الفلسطيني من أرضه وقراه ومدنه، وذلك بهدف تهويد القدس والاستيلاء على كل فلسطين. صحيح أن حركة تحرير فلسطين ذات طابع وطني تحرّري ولا تشنّ حرباً دينية، ولكن الانتهاكات التي يتعرض لها المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي في الخليل، تحمل من جانب الكيان الصهيوني طابع الحرب الدينية إلى جانب حرب الاقتلاع والإبادة، والسيطرة على فلسطين.
ولهذا يجب أن يُكشف هذا البعد من أجل ردعه، ويجب أن يُردّ عليه إلى جانب الرد الوطني التحرّري بردّ دفاعي إسلامي من المسلمين كافة، باعتباره عدواناً على الدين، وليس على الأرض والإنسان فقط. وهو ما يجب أن يضغط باتجاهه عربياً وإسلامياً، كما يجب أن تشنّ الحملة العالمية على الكيان الصهيوني ليس باعتباره مغتصباً لفلسطين وعنصرياً واستيطانياً، واحتلالاً وخطراً على السلم والأمن العالميين فحسب، وإنما باعتباره مُداناً بشنّ حربٍ دينية ضد المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي، ومنتهكاً للمقدسات المسيحية، والإسلامية، كما للتراث والهوية والتاريخ.
هذا التحدي يعتبر امتداداً لمحاولات الاعتداء على المسجد الأقصى التي أدت إلى اندلاع الانتفاضة وحرب سيف القدس في رمضان- أيار/ مايو 2021. وسيتجلى هذا التحدي في رمضان- نيسان/ أبريل القادمين في 2022، الأمر الذي يكشف أن قادة الكيان الصهيوني لم يتعظوا من الهزيمة التي لحقت بهم في حرب سيف القدس، وما صحبها من انتفاضات في الشيخ جراح وباب العامود، وفي الضفة الغربية، ومناطق الـ48. وهو ما يفسّر لماذا يستعدون من اليوم لإشعال الشمعدان، واقتحام الأقصى في عيد الأنوار. أي أنهم ما زالوا مصممين على إعادة الكرّة مرّة أخرى، مما يوجب أن يكون الفلسطينيون والعرب والمسلمون على أهبة الاستعداد للمواجهة، وتلقينهم درساً آخر كما حدث في رمضان-أيار/ مايو الماضيين. بل يجب أن يمتد ليشمل دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات وتحرير شرقي القدس، بلا قيد أو شرط، وليكون كل ذلك على طريق تحرير فلسطين كل فلسطين من النهر إلى البحر، والذي يشكل الهدف الذي لا تراجع عنه، وهو الحل العادل والوحيد للقضية الفلسطينية ولحق العودة.
أما التحدّي الثاني فيتمثل في المساعي التي راحت تستغل المطلب المحق والعادل، بكسر الحصار عن قطاع غزة، لحرفه إلى مشاريع تستهدف سلاح قطاع غزة ومقاومته. وهو ما تشجعه إدارة بايدن والكيان الصهيوني، انتقاماً للهزيمة التي ألحقتها حرب سيف القدس بجيش العدوان الصهيوني وحربه على قطاع غزة في أيار/ مايو الفائت. هذا التحدي يريد أن يحقق من خلال رفع الحصار، بإعادة البناء والتشغيل والتعويض عن الخسائر، ما لم يحققه العدوان الإجرامي الهمجي، وهو يتكسّر أمام صواريخ المقاومة التي ضربت في كل الاتجاهات، وأمام هبّة الشعب الفلسطيني ووحدته وانتفاضاته وما استُقبل به من تأييد عالمي.
هذه النظرية الخرقاء التي لجأت إليها أمريكا، بصورة غير مباشرة، تستعيد أوهام "صفقة القرن" التي ظنت أنها تستطيع أن تشترى الشعب الفلسطيني، بمغريات المال والأعمال، ليبيع وطنه ويتخلى عن حقوقه الثابتة في فلسطين.
فبدلاً من أن تتحوّل تجربة المواجهة التي خاضتها المقاومة في قطاع غزة، إلى تجربة تحدّد الطريق في الدفاع عن الأمن القومي العربي والفلسطيني، وذلك بتوحيد الصفوف والرد بالقوّة على القوّة الصهيونية الغاشمة التي طالما اعتدت واحتلت وأذلت. إن الظروف الراهنة في ظل موازين القوى العالمية والإقليمية أثبتت أن في إمكان الفلسطينيين والعرب والمسلمين ليس فقط ردع العدوان الصهيوني فحسب، وإنما أيضًا إنزال الهزيمة، والمضيّ للخلاص من شرّه نهائيا.
بدلاً من ذلك راح المهرولون يزيدون هرولة، وجعل الذين اعتقدوا أن لا قدرة لنا على مواجهة أمريكا والكيان الصهيوني، يواصلون هذه النظرية التي ثبت فشلها، وسوء عاقبتها. وراح بعضهم يسعون إلى إغراء المقاومة بالبحث عن الهدوء والهدنة الطويلة، في ظل العيش في عالم المغريات على المستويين الشخصي والعام.
ولكن لسوء حظهم، أو لحسن حظهم، فإن الكيان الصهيوني نفسه الذي عرض التسهيلات لتحقيق هذا التحدي؛ راح في الآن نفسه يعدّ لانتهاك الأقصى وتهويد القدس، والإمعان في الاستيطان، وتنفيذ مشاريع الاقتلاع. وبهذا كأنه يقول لهم لا تنخدعوا، نحن نريد المسجد الأقصى لنبني مكانه الهيكل. ونريد أن نهوّد القدس وفلسطين، ونجعل كنائسها ومساجدها كالآثار الرومانية عندما نهجّر مسيحييها ومسلميها.
إن الكيان الصهيوني يريد بيدٍ أن يقدّم إغراءات لقطاع غزة، ويريد باليد الأخرى أن يصادر المسجد الأقصى والقدس وفلسطين كلها. ولكنه لا يعلم أن شعب قطاع غزة ومقاومته، وبإجماعٍ وتصميم، يعتبران المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي والقدس أعزّ عليه من نفسه ومن القطاع، ومن كل أموال الدنيا. وسيقول لهم: بل بئست الحياة بلا المسجد الأقصى وبلا القدس.
وكذلكم كل الشعب الفلسطيني، وهو ما ستؤكده الأشهر القليلة القادمة عندما تنطلق الحناجر من المسجد الأقصى صارخة، وافلسطيناه، واعرباه، وامسلماه، وامقاومتاه، في قطاع غزة.. واأحرار العالم.