فلسطين أون لاين

​بسداد ديونها البالغة مليون شيقل

فلسطينيو حيفا يخلصون مقبرة الاستقلال من شبح المصادرة والتهويد

...
طولكرم - خاص "فلسطين"

إذا كان للصائم فرحتان في رمضان، فإن أهل مدينة حيفا الواقعة شمال فلسطين المحتلة عام 48، لا تسعهم الدنيا هذه الأيام من الفرح بعد نجاحهم بتحرير مقبرة الاستقلال الإسلامية.

وتعود قصة محاولات مصادرة هوية المقبرة إلى سنوات الـ 60 والـ 70، وبدأت بأخذ منحى أكثر خطورة في سنوات الـ 90 عندما كان هنالك صفقات بيع وشراء بين شركة بناء إسرائيلية تراكمت بينهما ديون صفقات تمت بداخل المقبرة بواسطة لجنة الأمناء التي تم تعيينها بواسطة المؤسسة الإسرائيلية، وهذه اللجنة كانت تخدم مصالح حكومة وبلدية حيفا الاحتلاليتين، وذلك بإصدار الفتاوى وتحليل بيع وإقامة أبنية بدل المقابر، مما يعني إزالة قدسية المقبرة.

ويقول عضو متولي أوقاف حيفا المحامي جهاد دغش، إنّ القضيّة تعود لصفقة تمّت في 21 يوليو/ تموز 1994، حينما قام متولي وقف حيفا ومحامي الوقف ببيع قسم من أرض المقبرة إلى الشّركات الإسرائيليّة "رايتن مائير" و"شموئيل رونين" بهدف إنشاء مشاريع تجاريّة عليها.

وأضاف: "بعد عدّة مداولات نجحنا عام 2013 باسترداد الأرض بقرار من المحكمة، إلّا أنّ المحكمة اشترطت إعادة مبلغ صفقة الشّراء إلى الشّركتين، والذي قُدّر بـ3 ملايين شيقل.

وأشار إلى أنهم قاموا بحملة تجنيد واسعة، لتجنيد المبلغ بشكل كامل واستعادة المقبرة وهذا ما تم.

وقال دعش لـصحيفة "فلسطين": "إن معركتنا لن تتوقف عند تحرير مقبرة الاستقلال، فمعركة تحرير الأوقاف لا زالت طويلة، ونحن مستمرون نحو استعادة أوقافنا وعلى قناعة أنّ التكاتف والالتفاف الجماهيري لفلسطينيي الداخل سند وعون لنا في هذه القضية".

وأوضح أن سلطات الاحتلال كانت وضعت يدها على أراضي وممتلكات الأوقاف الإسلامية التي تشكل 16/1 من مساحة فلسطين التاريخية، واعتبرتها أملاكًا متروكة، أسوة بأملاك الناس الذين هجروا عن قراهم ومدنهم، يسري عليها قانون الغائبين التعسفي الذي سنته في العام 1950، متذرعة بتبعية الوقف الإسلامي للمجلس الإسلامي الأعلى الذي شتتت شمله وشردت أعضاءه، ووضعت (إسرائيل) هذه الأملاك تحت إشراف لجنة حكومية.

وفي عام 1965، سنّت حكومة الاحتلال "قانون لجان الأمناء" الذي عينت بموجبه لجان أمناء على الأوقاف الإسلامية في حيفا ويافا وعكا واللد والرملة، لتخلق على ما يبدو "شخصية قانونية" يتم من خلالها تصفية أملاك الأوقاف وبيعها بموجب القانون من قبل هيئة تبدو لأول وهلة إسلامية ورسمية، وفقاً للمحامي دعش.

ومنذ تعيين هذه اللجان توالى إبرام الصفقات بين "متولي" هذه اللجان وبين مؤسسات دولة الاحتلال والشركات الإسرائيلية الخاصة، وعززت هذه الصفقات بفتاوى "شرعية" أصدرها موظفون حكوميون برتبة "قضاة مسلمين"، وطالت هذه الصفقات جميع المدن المذكورة.

ويشير إلى أنه ورغم أن "وقف الاستقلال" في حيفا نجا من قانون أملاك الغائبين، بحكم تبعيته لمؤسسة مستقلة عن الأوقاف العامة ومسؤولة شرعًا عن ممتلكات الأوقاف المحددة في "حجة وقفية الاستقلال" المؤرخة في 17 مارس/ آذار 1938، إلا أنه لم ينجو من الفساد الذي جير هذه المؤسسة للعب دور مركزي في تنفيذ المخططات والصفقات التي طالت أراضي وأملاك الأوقاف.

وأكد أن جرائم الصّفقات والعمالة لصالح السّلطة هدفها التّخلّص ممّا تبقّى من ذاكرة النّكبة، وهي شاهد ملك على ما حدث في حيفا.

ثاني أكبر وقف

بدوره، يقول عضو متولي أوقاف حيفا فؤاد أبو قمير، إنهم كافحوا بقوة من أجل تخفيض المبلغ الذي أقرته المحكمة إلى مليون شيكل بعد مفاوضات صعبة مع دائرة الإجراء الإسرائيلية وبفضل جهود عدد من المحامين التابعين لأوقاف حيفا.

ولفت إلى أنه وعلى مدار ثلاثة أشهر، نظموا حملة تبرعات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة تحت شعار "معا نحمي أوقافنا في حيفا"، قائلاً "كان التجاوب منقطع النظير حيث جمعنا المبلغ الأكبر، وبعد ذلك أطلقنا حملة أطرق أبواب منازل الأحياء والمحال التجارية إلى أن تمكنا من جمع المبلغ المطلوب ودفعه إلى دائرة الاجراء الإسرائيلية وتحرير المقبرة بشكل كامل في الأسبوع الماضي".

والمقبرة الواقعة قرب مسجد الاستقلال تقع في حي وادي الصليب التاريخي المنكوب بفعل ممارسات الاحتلال، ودفن فيها الآلاف من الأموات من سكان حيفا.

ويشير أبو قمير إلى أن المقبر تعد ثاني أكبر وقف إسلامي في الأراضي المحتلة عام 48 بعد وقف القدس المحتلة، فهي تملك الكثير من العقارات والمقابر والمساجد، لذلك كان وقف حيفا مستقلا بإدارته المالية.

وأوضح أنهم وبعد تحرير المقبرة يخططون لصيانتها بعد أن عانت كثيرا طوال السنوات الماضية بفعل عمليات التجريف التي ضيعت الكثير من القبور والشواهد وفقدان أسماء أصحابها.

مقبرة القسام

وأفاد أبو قمير بأن الخطوة القادمة هي تحرير مقبرة القسام في بلد الشيخ والبالغة مساحتها 43 دونما، وهي تتبع لوقف الاستقلال وسيطر الاحتلال عليها عام 1953.

وأوضح أن جلسة ستعقد في المحكمة للنظر في قضية مقبرة القسام في شهر نوفمبر/ تشرين ثاني، لافتاً إلى أن إحدى الشركات الإسرائيلية تدعي ملكيتها لعشرة دونمات.

وتنسب مقبرة القسام إلى الشهيد الشيخ عز الدين القسام، والذي اشعل استشهاده الثورة الفلسطينية عام 1936، وبقي حتى اليوم رمزاً للمقاومة.

ويشار إلى أن القسام ترك قريته الساحلية وانتقل إلى قرية الحفة الجبلية ذات الموقع الحصين ليساعد عمر البيطار في ثورة جبل صهيون (1919 - 1920). وقد حكم عليه الاحتلال الفرنسي بالإعدام غيابياً.

وبعد إخفاق الثورة فرَّ الشيخ القسام عام 1921 إلى فلسطين مع بعض رفاقه، واتخذ مسجد الاستقلال في الحي القديم بحيفا مقراً له حيث استوطن فقراء الفلاحين الحي بعد أن نزحوا من قراهم، ونشط القسام بينهم يحاول تعليمهم ويحارب الأمية المنتشرة بينهم، فكان يعطي دروساً ليلية لهم، ويكثر من زيارتهم، وقد كان ذلك موضع تقدير الناس وتأييدهم.