فلسطين أون لاين

تقرير "بيتكم عامر".. مبادرة مجتمعية لحراك ثقافي في الأماكن الأثرية

...
صورة أرشيفية
غزة/ يحيى اليعقوبي:

أبوابه المفتوحة طوال الوقت تشد فضول زوار سوق الشجاعية شرق مدينة غزة للدخول إلى بيت "آل السقا" بعدما كان مغلقا لعقود، تنبعث أصوات فعاليات ثقافية من خلف حجارته القديمة وتشد أقدام الوافدين إليه يوميًا.

"بيتكم عامر" مبادرة شبابية مجتمعية تهدف لخلق حالة من النشاط الثقافي والمجتمعي داخل الأماكن التاريخية والتراثية، كانت انطلاقتها من مدرسة الكمالية التي يعود بناؤها للعصر المملوكي، وحاليًا تنفذ برنامجها في بيت "آل السقا" لتسليط الضوء على أهمية الأماكن الأثرية خلال إقامة أنشطة ثقافية وعروض سينمائية ولقاءات وأمسيات أدبية وفنية وعروض مسرحية مجتمعية ومناسبات وطنية.

وسط زحمة سوق الشجاعية وأصوات البائعين، يستوقفك شكل مدخل وباب البيت، وأصوات الفعاليات المختلفة هنا وكأنك تسافر عبر التاريخ خلال زيارة المكان. في الداخل يتوسط ساحة البيت درج يؤدي إلى أنصاف قباب وأقواس مزخرفة، والدرج ينقسم إلى شقين يؤدي كل منهما إلى غرفة معيشة مزينة من الداخل بالأقواس الحجرية في أسفل الدرج "المزيرة" وهي تجويف عميق داخل الحائط كانت تستخدم للاحتفاظ بالماء، ففي كل يوم كان يأتي السقا الذي كان يبيع الماء لتعبئة المزيرة التي تسد مسد خطوط المياه الممتدة في وقتنا الحالي، في حين تتم حماية النوافذ الزجاجية بالحديد المقوى، وتسند القباب أعمدة من الأحجار الرملية.

تظهر حجارة المنزل القديمة الخشنة في أبهى صورها، بعد أن جرى ترميمها فارتدت ثوب الماضي بحلة جمالية تستشعر من خلالها عظم الإنجاز بإعادة البناء.

تجلس منسقة المبادرة أميرة حمدان في إحدى الغرف تجهز لفعالية فنية قادمة، في حين امتلأت ساحة البيت المفتوحة على السماء بعشرات الزوار الذين حضروا جلسة ثقافية للتعرف إلى المكان.

تقول حمدان لصحيفة "فلسطين": "تزداد أهمية هذه البيوت في ظل وجود الأنشطة والفئات التي تنفذ برامجها، بالتالي زاد الاهتمام بالحفاظ عليها، وباتت تستقبل تصوير كليبات مرئية فنية، وأصبحنا نترك باب البيت مفتوحا".

وتضيف أن وجود البيت في منطقة شعبية بحي الشجاعية يزيد من فضول الناس عن ماهية الأنشطة المقدمة، "بالتالي يحدث تشابك بيننا وبين المجتمع، خاصة أن الكثيرين يجهلون أهمية الأماكن الثقافية والحقب والعصور التي مرت عليها فنقوم بإحياء هذه الأماكن من الاندثار".

ووفق إحصائية لوزارة السياحة والآثار، فإن عدد المباني الأثرية في البلدة القديمة بمدينة غزة بلغ 117 وتضم عددا من البيوت والمساجد والكنائس والقصور والمقابر والمدارس، في حين تسعى مبادرة "بيتكم عامر" لتعزيز الوعي المجتمعي حول أهمية الحفاظ على الموروث الثقافي في البلدة وهذا ما تؤكده حمدان، "نحن لا نستهدف ترميم البيوت بقدر ما نستهدف الوعي المجتمعي بالحفاظ عليها".

جمهور شبابي ونسائي

وعن مدى إقبال الناس على أنشطة المبادرة، تلفت إلى أن المبادرة بنت جمهورا واسعا من الشباب والنساء في المنطقة، خلال أنشطة وعروض مسرحية وأفلام وثائقية بالإضافة لطرح قضايا تخص الأهالي شكلت قاعدة من الجمهور.

جوهر المشروع قائم أيضا، حسبما ذكرت، على دعم أصحاب البيوت الأثرية للفكرة والاهتمام بإعادة إحياء البيت من جديد وإعادة افتتاحها لخدمة الأنشطة المجتمعية والثقافية، ورغم وجود تلك العائلات، فإن هناك عائلات ما زالت غير مهتمة، في بيت "آل السقا" وجدت المبادرة اهتماما من ملاكه.

لكن حمدان تؤكد أنهم يتعاملون مع البيت على أنه بيتهم الثاني ودائما يحاولون تطوير حديقته الخارجية، ورفده بكل ما يعزز الثقافة الفلسطينية والوطنية.

وتسعى المبادرة لتحقيق النجاح الذي حققته في المدرسة الكمالية، إذ كان اختيار المدرسة يرمي إلى لفت الأنظار تجاه المناطق الأثرية في مدينة غزة، كجزء من انطلاق فكرة المبادرة في إطار مجتمعي.

والمدرسة الكمالية هي أقدم مدرسة في فلسطين، بنيت في العهد الأيوبي إبان عهد الملك الكامل بن العادل، ابن شقيق صلاح الدين الأيوبي.

صورة المدرسة قبل تسلمها يقفز أمام منسقة المبادرة واصفة المشهد بأنه "مكب نفايات مغلق، قمنا من خلال فرق متطوعة بإعادة تنظيفه وسلطنا الضوء عليه، ثم حصلنا على تمويل لترميم جزء منه وقمنا بإحياء يوم الثقافة الوطني بعروض فنية وأدبية وشعرية وارتدت المدرسة حلة جديدة وهي الآن أعيد إغلاقها لثلاثة أشهر؛ لوجود منحة ترميم كاملة للبيت.

وظلت مدرسة الكمالية تستخدم منذ 1930 وحتى منتصف سبعينيات القرن الماضي، مدرسة للبنات ثم تركت، فزحف إليها الإهمال حتى أصبحت مكبًا للنفايات، ومؤخرا نفذت حملة لتنظيفها وعمل ترميم جزئي لها.

استعادة التراث معنويًّا

وتمثل أنشطة المبادرة استعادة للتراث المعنوي، وهذا إحدى أهم النقاط التي تركز عليها حمدان من خلال استعادة الذكريات عبر أنشطة ثقافية والتي تراها أهم من ترميم حجارة المبنى فقط دون استغلاله وتشغيله بأنشطة مجتمعية وثقافية، وكذلك من خلال تمكين الناس من التعبير عن قضاياهم.

وتشير إلى أن المبادرة غير مرتبطة بالمكان بقدر ما هي تسليط الضوء على كل الاهتمام بالبيوت الأثرية.

على مكتبها تحضر حمدان لفعالية فنية قريبة، سيتشارك فيها مجموعة من الفنانين الذين زاروا أهالي الحي واستمعوا إلى قضاياهم في رسوم مشتركة بين الأهالي والفنانين تعبر عن قضايا الناس بقالب فني سيتم تنظيمه خلال الفترة القادمة.