ما كان لجنرال السودان عبد الفتاح البرهان أن يتفاخر بأن العلاقة مع (إسرائيل) هي الطريق لرفع العقوبات عن السودان، لولا الضوء الأخضر الذي منحته إياه قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وهي تسابق الجميع إلى توثيق العلاقات الأمنية مع المخابرات الإسرائيلية، وعليه فما كان لملكة جمال المغرب كوثر بن حليمة أن تشارك في اختيار ملكة جمال العالم التي ستقام في (تل أبيب) لولا تلك العلاقات الحميمية بين لجنة التواصل الاجتماعي داخل منظمة التحرير، وبعض الشخصيات الإسرائيلية التي اعتادت على شرب قهوتها في رام الله.
لقد شرعت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية كل الأبواب للتحالف العسكري بين المغرب وإسرائيل، وقيادة المنظمة هي التي شقت طريق التعاون الاقتصادي بين الإمارات وإسرائيل، وكان الأصل من وجود المنظمة، وكما رددته الأغنية الفلسطينية المشهورة، والتي تقول بعض كلماتها "وهي التي صنعت لشعبي ثورة، وهي التي شقت طريق العودة"، فإذا بها بعد خمسين عاماً تشق طريق المناورات العسكرية المشتركة بين عدة دول عربية وعدونا الإسرائيلي، وإذا بها تشق طريق التعاون في مجال الماء والكهرباء بين الأردن وإسرائيل، وبدل أن تشق طريق العودة صارت تشق طريق الفتوحات الإسرائيلية شرقاً وغرباً في البلاد العربية، التي لن يكون آخرها تنازل منظمة التحرير الفلسطينية عن شكواها في محكمة العدل الدولية ضد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، التي كانت قد تقدمت بها في شهر سبتمبر من عام 2018.
ضمن هذه الجدارية السوداء من سياسة منظمة التحرير، يخرج علينا بعض السياسيين والكتاب الفلسطينيين، ويدعون أن الانقسام الفلسطيني كان السبب في تنامي العاهات السياسية في الوطن العربي، وأن الانقسام هو السبب في تراجع التأييد للقضية الفلسطينية، وأزعم أن هذه محاولة بائسة لطمس الحقائق، وتضليل الرأي العام، ورسالة وهمية، توحي بأن القضية الفلسطينية كانت تنتصر في كل الساحات قبل الانقسام سنة 2007، وكأن الأرض الفلسطينية كانت محررة قبل هذا التاريخ، وكأن الضفة الغربية كانت تخلو من المستوطنات قبل هذا التاريخ، وكأن السجون الإسرائيلية كانت تخلو من آلاف الأسرى قبل الانقسام الفلسطيني سنة 2007.
إن الحقيقة التي يجب أن يعترف بها العقلاء والحكماء والوطنيون المخلصون هي أن الانقسام سنة 2007 كان حاجة فلسطينية ملحة، وكان الانقسام ضرورة سياسية لا بد منها للتخلص من سطوة قيادة منظمة التحرير، التي ما برحت تختطف القرار السياسي، وتلغي وجود الشعب، وهي تستأثر بكل شؤونه، وكأن الشعب الفلسطيني مجرد سبايا تباع في سوق الاتفاقيات الأمنية متى تشاء القيادة، وكأن الشعب مطية، تعتلي ظهره القيادة، لتتركه في أرض اليباب السياسي.
ما سبق من موقف لا يعني أننا نؤيد الانقسام، بل نحن ضد التفرد بالقرار السياسي الذي أوصلنا إلى الانقسام، ونحن والشعب الفلسطيني مع وحدة وطنية تقوم على نبذ التنسيق والتعاون الأمني، كأول شرط لإغلاق طرق التطبيع التي شقتها منظمة التحرير الفلسطينية، التي ما انفكت تقدس التنسيق والتعاون الأمني مع المخابرات الإسرائيلية.