فلسطين أون لاين

تقرير مُحرَّرون: إصدارات الأَسْر تحمل مشاعر الانتصار على السجان

...
صورة أرشيفية
غزة/ هدى الدلو:

قبل إصدار أي عمل كتابي فإنه يمر برحلة شاقة، ولكن بمجرد أن يرى إصداره النور فإن مشاعر الأسير تتبدل وتتحول بأن نجح في هذه المهمة، لتتملكه فرحة غامرة ليس لها وصف سوى وصف خروج الأسير نفسه من الأسر.. هكذا كانت مشاعر المحرر محمد أحمد أبو عوض لحظة إصدار له أول عمل كتابي وهو بداخل الأسر.

ويقول لصحيفة "فلسطين": "أي لحظه يتم فيها التغلب على آلة السجان القمعية هي انتصار تم انتزاعه انتزاعًا من السجان، وإنجاز وطني يعده الأسير كأنما هو عرس وطني بين الأسير ونفسه، ناهيك بانعكاساته على رفاقه داخل الأسر، إضافة إلى أثره في نفوس أهله خاصة والديه مما ينزل في نفوسهم الطمأنينة والسكينة، والفخر بابنهم وبإنجازه".

أبو عوض (42 عامًا)، من مدينة نابلس، ومن مخيم بلاطة بالتحديد، تم اعتقاله في عام ٢٠٠٣، وأُفرج عنه في صفقة وفاء الأحرار، يوضح أن الكتابة هي أداة من أدوات التواصل مع المحيط الخارجي سواء بالرسائل مع الأهل عبر إدارة مصلحه السجون، أو عبر الأسرى أنفسهم من خلال النقليات، وهذا دوما يتم بعيدا عن أعين السجان.

ويضيف: "الكتابات الأدبية هي بالدرجة الأولى تواصل بين الأسير ونفسه فضلًا عن أنه تواصل بين الأسير ومجتمعه أو ما هو خارج السجن، وهذا لا يعجب السجان وطاقمه الأمني لذلك يواجه الكثير من التحديات والعقبات من مصلحة السجون".

ويشير أبو عوض إلى أن الكتابة داخل الأسر ملاحقة من السجان، وفي كثير من الأحيان التفتيشات القمعية التي يجريها السجان كان يصادر الأوراق التي تضم في ثناياها خواطر وأفكار الأسير، ومن ثم يتم تمزيقها أو بالأحرى هي بنزلة إعدام لأفكار الأسير المكتوبة.

ولذلك الكاتب الأسير كان يهرب من واقعه إلى الأوراق ليدون بها خواطره، ليعود مرة أخرى ليهرب بأوراقه بعيدا عن قمع السجان، لافتًا إلى أن الكتابة تولد في ظرف استثنائي بحكم البعد وفقدان الحرية أيضا لها ظرف استثنائي آخر ألا وهو ملاحقة السجان للأوراق.

وينبه إلى أن الهدف من وراء الكتابة هو أن الأسير كان يحدث نفسه أو يجد نفسه عبر كلماته التي يخطها في سطور، لذلك كل كلمة أو حرف كان يعبر عن ظرفه بدقة، إلى جانب أن الكلمات تفرض نفسها بقوة، ويحاول الأسير أن يفرض نفسه بقوة في أذهان أبناء شعبه، فوجوده خلف جدران السجن ليس معناه أنه في الغياب، بل هو حاضر بكلماته التي تعبر عن شخصه كأنما هو يقاوم نسيانه.

ويتحدث بأن تجربة الكتابة داخل الأسر تختلف عن خارجه، ففيها تصالح دائم مع الذات وهي فترة واضحة ودقيقة بعيدة عن المجاملات والتنميق أو التزييف، إضافة إلى أنها حالة حرب مستمرة على الدوام مع السجان في حرب وجود أو غياب.

وتتمثل المشكلات والعقبات الأولى والأخيرة في السجان فهو يعمل جاهدًا على طمس هوية الأسير وتغييبه، لذلك يتعمد في تفتيشاته القمعية مصادرة أفكار وكلمات الأسير، والتي يهرب لها الأخير بعيد بطش السجان وإخراجها خارج السجن أو للنور عن طريق تهريبها.

فمثلا كتابه "نسمات خلف قضبان" كان مخطوطا في ثلاث نسخ؛ نسختان لم يحالفهما الحظ وتمت مصادرتهما وإتلافهما، والثالثة كُتب لها أن ترى النور، فالمسألة شاقة أن تجد تعب سنوات يتم إتلافه وإعدامه في لحظات، "فلا عجب أن الأسير يعيش حالة حرب مستمرة مع السجان".

في حين الأسير المحرر رأفت حمدونة والذي قضى حكمًا بالأسر مدة 16 عامًا بتهمة الاعتداء على جنود الاحتلال الإسرائيلي، اعتقل وفي مكامن صدره موهبة الكتابة، حيث عمل على استثمارها بأول عمل أدبي بعد عامين من الاعتقال "نجوم فوق الجبين" برفقة أسير آخر، لينطلق بعدها لأعمال أخرى، لتشمل كتيبا ضم رسائل فتحي الشقاقي للأسرى "ما بين السجن والمنفى حتى الشهادة"، وأصدر أيضًا خلال فترة اعتقاله 4 روايات في الأدب.

ويبين أن الأسر يتحول إلى بؤرة للتعليم والإبداع في ظل محاولات إدارة مصلحة السجون تدمير نفسيته وإحباطه ليخرج منه عالة على المجتمع، ولكن الأسير يحاول ملء وقته بما هو مفيد في التعلم والكتابة واللغات.

ويشير حمدونة إلى أن أدب السجون له مميزاته فيما كتب خارج الأسر بالصالونات المكيفة والراحة النفسية، حيث إنه يتميز بالمصداقية لكونه خرج من رحم المعاناة وتحت ظروف صعبة، على الرغم من أنه قد يفتقر بعضها للمقومات الأدبية.

ويقول: "على الرغم من ظروف الأسر والمعاناة التي يعيشها فإن الأسير يستطيع أن يستحضر أفكاره الإبداعية الخاصة بالكتابة، ويحاول الاحتلال مصادرة الكتابات وإعدامها، ولكن الأسير يعمل بكل طاقته من أجل تهريبها عن طريق الزيارات أو الأهل، أو عن طريق كتابتها بخط صغير جدًا على ورق شفاف ووضعها في كبسولة وبلعها من أجل الحفاظ عليها، رغم خطورة ذلك على صحته، اليوم يتم نقلها عن طريق الجوالات".

وكل ذلك من أجل إشغال الأسير لوقته، وأن يرسل رسالته الأدبية والوطنية لشعبه خاصة أنه يحمل همًا وطنيًا، ونشر الوعي وتجربته للخارج، ليشعر بنشوة الانتصار على السجان بمجرد أن ترى النور.